للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ويتحدث عن مراحل عمر الإنسان على النحو الآتي: العرب تقول للغلام إذا بلغ عشر سنين: رمى، أي قويت يده، فإذا بلغ عشرين قالوا: لوى، أي لوى يد غيره، فإذا بلغ ثلاثين قالوا عوى، وعوى أشد من لوى قليلاً، فإذا بلغ أربعين قالوا: استوى، فإذا بلغ الخمسين قالوا: حري أن ينال الخير كله (١) .

ثم إن امرءاً يؤلف كتاباً في معاني الشعر لا يمكن أن يقال فيه ((لا يحسن معنى بيت ولا يضبطه)) ، إلا أن يغلب الخطأ على ذلك الكتاب (٢) .

وأتجاوز هذه القضية التي لا تتطلب نقاشاً طويلاً (٣) لأقول: إن المفضل يمكن أن يعد ناقداً للشعر - من طبقة النقاد الرواة - فهو بحكم مختاراته ناقد ذو ذوق أصيل، وهو في تفضيله لشاعر على آخر يفيء إلى حسه النقدي كذلك؛ قال ابن الأعرابي: سألت المفضل عن الراعي وذي الرمة أيهما أشعر فزبرني وقال لي: مثلك يسأل عن هذا؟! يريد أن الراعي أشعر (٤) ، وهو إذا ذكر شعراء العصر الأموي قدم الفرزدق تقدمة شديدة (٥) وعلل ذلك بأن الفرزدق قال بيتاً هجا في قبيلتين (٦) ويرى أن أحسن ما قيل في القسم - دون أن يحاول تعليل ذلك - قول الاشتر النخعي:

بقيت وفري وانحرفت عن العلا ... ولقيت أضيافي بوجه عبوس

إن لم أشن على ابن هند غارة ... لم تخل يوماً من نهاب نفوس (٧) وذلك قسم فيه من الأغراب الشعري والجدة ما فيه، مما يدل على حس نقدي أصيل.


(١) مجالس ثعلب: ٧٨.
(٢) أشار إلى كتابه هذا الفهرست: ٧٥ وانظر نزهة الألباء: ٣٦ وياقوت ١٩: ١٦٧.
(٣) هناك شواهد كثيرة جداً على اهتمام المفضل بالمعاني، انظر مثلاً أمثال أبي عكرمة الضبي: ٢٥، ٦٦، ٧٤.
(٤) طبقات النحويين: ١٩٣.
(٥) طبقات فحول الشعراء: ٢٩٩.
(٦) معجم الأدباء ١٩: ٢٩٩.
(٧) نور القبس: ٢٧٤.

<<  <   >  >>