للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وإذن كان جل ما أفاده المفضل من أولئك الأساتذة الكوفيين هو علمي القراءات والحديث، وهذا يلفتنا إلى ظاهرة هامة، وهي عدم تميزه بين معاصريه ومن جاء بعدهم في هذين العلمين، وقد يقال إنه في القراءة أخملته شهرة عاصم - من بعد - حتى أصبح ظلاً له، وأنه لم يكتسب توثيقاً في الحديث لميول مذهبية - ستتضح فيما يلي؛ ولكن الأهم من ذلك أنه برز في الشعر والأخبار دون أن يكون في أساتذته من هو متميز في هذين الفنين، اللهم إلا إذا استثنينا أستاذه سماك بن حرب، والأمر الجدير بالنظر هو كيف حدث هذا التحول في حياته وتحت أي تأثير. وللجواب على هذا التساؤل شقان: أولهما يتعلق بالنشأة والثاني يتصل بتحول هذين الفنين - الشعر والأخبار - مصدر رزق للمفضل عند اتصاله بالخلفاء، والحديث عن الشق الثاني سيجيء في موضعه؛ أما عن الشق الأول فلابد من أن يرتبط التوجه إلى الشعر والأخبار - منذ الصغر - بمؤثرات قوية، منها الميل الطبيعي، ومنها قوة الأستاذ الموجه ومنها أثر البيئة البيتية: وقد عبر الميل الطبيعي عن نفسه تلقائياً حين التقت الموهبة مع الحاجة المادية؛ وأما قوة الأستاذ الموجه فلعلها أن تلفتنا إلى أثر سماك بن حرب فيه، دون سائر أساتذته، فقد كان الرجل عالماً بالشعر وأيام الناس - وإن لم نجد في الروايات ما يؤيد ذلك الأثر - وأما أثر البيئة البيتية فربما أشار إلى أثر والده فيه. وقد قلت - فيما تقدم - إن المصادر لا تتحدث بشيء محدد مباشر عن والده، ولكنها رغم ذلك تقول الشيء الكثير استنتاجاً، ومن تصفح تاريخ الطبري عرف هذه الحقيقة (١) ، فالمفضل يروي عن أبيه محمد بن يعلى أخباراً تمتد من عام ٣٢هـ؟ إلى نهاية الدولة الأموية، أي أخبار قرن كامل، ولكن ما بقي من تلك الأخبار لا يتناول جميع الأحداث، وإنما يقتصر - حسب منقولات الطبري - على إشارات حول معركة الجمل، وهي التي شارك فيها


(١) للحكم على ذلك لابد من مراجعة فهرست الطبري؛ وتتبع الأحداث التي يرويها المفضل، وفي بعضها نقل صريح عن أبيه، وفي بعضها الآخر يسقط اسم الأب، ولكن يبدو من المرجح أن معظم تلك الروايات إنما تلقاه عن والده حتى حين لا يصرح باسمه.

<<  <   >  >>