للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فهذه هي الثمرات الأخلاقية للإيمان، وهذه هي صفات المؤمن التقي الذي آثر ما عند الله على شهوات الحياة، إن هدف المؤمن أن يقترب من الله -جل في علاه- ويحصل على مثوبته ورضاه، وهذا يجعل حياته كلها موصولة الأسباب بالله، ويجعله يحيا دائما، وهو يرجو الله، والدار الآخرة، ثم إن أخطر شيء على أخلاق الناس هو هذه الدنيا بمتاعها، ومغرياتها بزخارفها، وشهواتها من النساء، والبنين، والقناطير المقنطرة من الذهب، والفضة، والخيل المسومة، والأنعام، والحرث.

إن الغلو في حب الدنيا هو رأس كل خطيئة، والتنافس عليها أساس كل بلية من أجل متاع الدنيا يبيع الأخ أخاه، ومن أجل متاع الدنيا يقتل الابن أباه، ومن أجلها يخون الناس الأمانات، وينكصون العقود، ومن أجلها يجحد الناس الحقوق، وينسون الواجبات، ومن أجلها يبغي الناس بعضهم على بعض، ويعيشون كسباع الغابة، أو أسماك البحار، يفترس القوي الضعيف، ويلتهم الكبير الصغير من أجل شهوات الدنيا، ومفاتنها يغش التجار ويطففون، ويتجبر الرؤساء ويستكبرون، ويجور القضاة ويرتشون، ويطغى الأغنياء ويترفون، وينافق ضعفاء الناس ويتزلفون، من أجل الدنيا يكتم العالم ما يعلم أنه الحق، ويفتي بما يعتقد أنه الباطل، من أجل الدنيا يروج الصحفي الكذب والزور، ويخفي الحقائق، وهي أوضح من فلق الصبح، من أجل الدنيا يهجو الشاعر كل حليم رشيد، ويزف عرائس المديح إلى كل سكير وعربيد، من أجل الدنيا تسفك الدماء، وتستباح الحرمات، وتداس القيم، ويباع الدين، والشرف، والوطن، والعرض وكل معنى إنساني كريم، كل هذا من أجل الدنيا، ومتاع الدنيا، وشهوات الدنيا من أجل امرأة، أو كأس، أو عمارة، أو قطعة أرض، أو منصب يصغر أو يكبر، أو دنانير تقل أو تكثر، أو حظوة لدى رئيس، أو شهرة بين الناس، أو غير ذلك من هم البطن، وشهوة الفرج، وحب الجاه والمال.

<<  <   >  >>