للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إن حب الحياة والأمل فيها جزء من فطرة الإنسان، حب الحياة والأمل أمر فطري في الإنسان، ولولا ذلك ما عمرت الأرض، ولا ترعرعت شجرة الحياة فلم يكن ممن ينافي الحكمة أن يزين الله للناس حب الشهوات، ولكن الخطر كل الخطر أن يستغرق الناس في حب الدنيا، وطول الأمل فيها، وأن تكون هذه الحياة القصيرة هي أكبر همهم، ومبلغ علمهم، ومنتهى آمالهم، فالدنيا زينت لك، خذ من زينتها بالمعروف، وبقدر ما تحتاج إليه مع الالتزام بأوامر رب العزة والجلال سبحانه وتعالى، وهذا هو ديدن المؤمن في موازنته كما قال الله فيما سبق أن ذكرته: {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} فالدنيا مفتنة، وعلى الإنسان أن يأخذ حظه، ونصيبه منها، ولكن أن يجعل أكبر همه، وأن يجعل مبلغ علمه: هو إرضاء الحق -تبارك وتعالى- وابتغاء وجه الله سبحانه، والإيمان وحده هو الذي يعطي صاحبه القدرة على مقاومة إغراء الدنيا وفتنتها.

إن العبد قد لا يملك الدنيا، ولكنها لا تملكه، وقد تمتلئ بها يداه، ولكن لا يمتلئ بها قلبه، ذلك أنه يعيش في الدنيا بروح المرتحل، كأنه غريب، أو عابر سبيل، ومن عاش في الدنيا بهذه الروح، فلا خوف عليه من امتلاك القناطير المقنطرة من الذهب والفضة، إنه يحيا في الدنيا بقلب أهل الآخرة، ويمشي وقدمه في الأرض، وقلبه موصول بالسماء.

المؤمن وحده هو الذي امتلأ يقينًا بأن الدنيا لا تزن عند الله جناح بعوضة، وأنها قنطرة عبور إلى الحياة الباقية، وأن ركعتين خاشعتين لله عند الله خير من الدنيا وما فيها، وأن غدوة أو روحة في سبيل الله خير من الدنيا وما فيها، وأن موضع قدم الإنسان في الجنة خير من الدنيا وما فيها، وحسب المؤمن أن يعلم أن أنبياء الله ورسله وأولياءه عاشوا في الدنيا معذبين مضطهدين، وأن أعداءه، وأعداء رسله من

<<  <   >  >>