للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الكفرة، والمكذبين، والملحدين كثيرًا ما عاشوا منعمين مترفين، قال تعالى: {وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ وَزُخْرُفًا وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ} (الزخرف: ٣٣: ٣٥).

إن الاستعلاء على متاع الدنيا والاستكبار على شهواتها، ومغرياتها ليس معناه أيضًا تحريم طيباتها، أو تحريم مصالحها، أو تعويق سيرها، إنما المقصود أن تكون الآخرة مراد المؤمن، وغاية سعيه، فلا يكون ممن يريد حرث الدنيا، لا ممن يريد حرث الآخرة لا ممن يكون، ولا أن يكون، ولا أن يفضل العاجلة التي وصف الله أهلها بالطغيان، فقال: {فَأَمَّا مَنْ طَغَى وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} (النازعات: ٣٧ - ٣٨)، والله -عز وجل- خاطب الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- في شأن هؤلاء الذين اشتغلوا بالدنيا، وتركوا الآخرة: {فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلاَّ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنْ الْعِلْمِ} (النجم: ٢٩، من ٣٠). بل يجب أن يكون المؤمن ممن أراد الآخرة، وسعى لها سعيها، واتخذ الدنيا وسيلة لا غاية، وممرًّا لا مقرًّا.

إن الذي لا يوقن بالآخرة يقينًا جازمًا يصعب فطامه عن شهوات الدنيا، ويصعب صرفه عن مجونه، ولذاته، أما أهل الإيمان فالإيمان يغرس فيهم مثلًا عليًا هو ما أشير إليها الآن، ولا ريب أن للغرائز في دفع الإنسان سلطان لا ينكر، ولكن المثل العليا التي يعيش لها المؤمن تعلو به على الغرائز، وسلطانها الغريزة الجنسية بخاصة لعلها أعتى الغرائز وأقواها، حتى إن في علماء النفس من فسر بها السلوك البشري كله مثل فرويد، وهو تفسير حيواني يتجاهل غرائز الإنسان الأخرى، ويتجاهل سائر ملكاته الروحية، ودوافعه النفسية، وأننا لا أنافشه هنا الآن، ولكني لا أشك في أن الغريزة الجنسية تتجلى في الشباب على أشدها، ولا شيء يمنع الشباب من الوقوع فيما حرم الله تعالى إلا الإيمان بالله -عز وجل- إن هذه القوة الغريزية التي هي في الشباب لا ينظمها، ولا يحل لدى الإنسان ما فيها من رغبة في إتيان المنكر إلا بالإيمان بالله -تبارك وتعالى.

لا يمنع الوقوع في المنكرات إلا الإيمان، وهذا

<<  <   >  >>