للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ما حدث ليوسف عليه السلام شاب في ريعان الشباب شاب مكتمل الرجولة رائع الفتوة تدعوه إلى نفسها امرأة ذات منصب، وجمال ليست من عامة الناس، ولكنها امرأة العزيز الذي هو في بيتها، وهو عبدها، وخادمها، والأبواب مغلقة، والسبل ميسرة كما حكى القرآن: {وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ} (يوسف: من الآية: ٢٣) فماذا كان موقفه أمام هذا الإغراء، وتلك الفتنة التي تخطف الأبصار، ألانت قناته فاستسلم وخان عرضًا ائتمن عليه؟ كلا، إنما قال: {مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} (يوسف: من الآية: ٢٣).

ولقد حاولت المرأة بكيدها ومكرها، وبكل ما لديها من ألوان الإغراء والتهديد أن تذيب من صلابة يوسف -عليه السلام- وأن تضعضع من شموخه، وأعلنت ذلك لنسوتها في ضيق وغيظ: {وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِنَ الصَّاغِرِينَ} (يوسف: ٣٢) ومع كل ذلك انتصر يوسف -عليه السلام- لأن المثل العليا تمثلت فيه نتيجة لإيمانه بالله -تبارك وتعالى.

كذلك أيضًا الإيمان ينتصر على غريزة الأنانية، أو حب الذات، غريزة الأنانية غريزة عاتية جبارة ربما تكون كامنة في كثير من النفوس، ولكن عنصر الإيمان إذا دخل هذه المعركة، ألا وهي هذه الغريزة العاتية عند بعض الناس، أطفأها، وصارت بردًا وسلامًا، الإسلام هو الذي يحطم طغيان الأنانية بين الناس، وفي القصة التي روتها أم سلمة زوج الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- مثل واضح على مبلغ أثر الإيمان في النفوس على مبلغ أثر الإيمان في تكوين العبد إلى مثل عليا رفيعة يرتفع بها إلى مصاف عالية كريمة. هذه القصة باختصار: رجلان أتيا إلى النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- يختصمان في مواريث بينهما وليست لهما بينة إلا دعواهما، كلاهما يقول: هذا حقي، وينكر على صاحبه أن يقول له حقه، ويحتكم الرجلان إلى رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- وفي صدر كل منهما فرديته، وأنانيته، وحبه لذاته، ونفسه، وحرصه على أن يكون ما عند آخيه له.

فالنبي -صلى الله عليه وآله وسلم- يسمعهما

<<  <   >  >>