للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الحديث فأعلمني به، أذهب إليه حجازيًّا كان أو شاميًّا أو عراقيًّا أو يمنيًّا، وقول الشافعي له هذه المقالة تعظيم لأحمد وإجلال له، وأنه عنده بهذه المثابة إذا صحح أو ضعف يرجع إليه، وقد كان الإمام أحمد -رَحِمَهُ الله- بهذه المثابة عند الأئمة والعلماء -كما سيأتي- ثناء الأئمة عليه واعترافهم له بعلو المكانة في العلم والحديث، وقد بعد صيته في زمانه، واشتهر اسمه في شبيبته في الآفاق -رحمه الله تبارك وتعالى.

جاءت كلمات كثيرة تبين ورع وزهد وتقلل الإمام أحمد -رحمه الله تبارك وتعالى- من هذه الدنيا، ومن ذلك ما قاله ابنه صالح -رحمه الله- قال: دخلت على أبي يومًا أيام الواثق -والله يعلم على أي حال نحن- وقد خرج لصلاة العصر، وكان له لبد يجلس عليه، قد أتى عليه سنون كثيرة حتى بلي، يعني: فراش وإذا تحته كتاب كاغد فيه -يعني: كتاب في قرطاس- فيه: بلغني يا أبا عبد الله ما أنت فيه من الضيق، وما عليك من الدين، وقد وجهت إليك بأربعة آلاف درهم على يد فلان، وما هي من صدقة ولا زكاة، وإنما هو شيء ورثته عن أبي.

قال فقرأت الكتاب، -يعني: صالح- قرأ هذا الكتاب الذي كان مكتوبًا في الكاغد قال: ووضعته، فلما دخل قلت: يا أبت ما هذا الكتاب؟ فاحمرّ وجهه، وقال: رفعته منك، ثم قال: تذهب لجوابه؟ فكتب إلى الرجل: وصل كتابك إلي، ونحن في عافية، فأما الدين فإنه لرجل يرهقنا، وأما عيالنا ففي نعمة الله، قال: فذهبت بالكتاب إلى الرجل الذي كان قد أوصل كتاب الرجل، ولما كان بعد حين، ورد كتاب الرجل مثل ذلك، فرد عليه بمثل ما رد، فلما مضت سنة أو نحوها ذكرناها فقال أبي: لو كنا قبلناها كانت قد ذهبت، وهذا يدل على تعففه رغم أنه بحاجة -رحمه الله تبارك وتعالى.-

<<  <   >  >>