للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، فِي كِتَابِهِ , وَحَدَّثَنِي عَنْهُ عُثْمَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: سَمِعْتُ الْجُنَيْدَ بْنَ مُحَمَّدٍ، يَقُولُ: سَمِعْتُ الْحَارِثَ بْنَ أَسَدٍ، يَقُولُ، " وَنَعَتَ الْمُخْتَصِّينَ بِالْمَعْرِفَةِ وَالْإِيمَانِ فَقَالَ: هُمُ الَّذِينَ جَعَلَهُمُ الْحَقُّ أَهْلًا لِتَوْحِيدِهِ وَإِفْرَادِ تَجْرِيدِهِ ⦗١٠٦⦘ وَالذَّابُّونَ عَنِ ادِّعَاءِ إِدْرَاكِ تَحْدِيدِهِ مُصْطَنِعِينَ لِنَفْسِهِ مُصْنُوعِينَ عَلَى عَيْنِهِ أَلْقَى عَلَيْهِمْ مَحَبَّةً مِنْهُ لَهُ {وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي} [طه: ٤١] {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} [طه: ٣٩] {وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي} [طه: ٣٩] فَأَخَذَ أَوْصَافَ مَنْ صَنَعَهُ لِنَفْسِهِ وَالمَصْنُوعَ عَلَى عَيْنِهِ وَالْمُلْقَى عَلَيْهِ مَحَبَّةٌ مِنْهُ لَهُ أَنْ لَا يَسْتِقِرَّ لَهُمْ قَدَمُ عِلْمٍ عَلَى مَكَانٍ وَلَا مُوَافَقَةٌ كِفَاءً عَلَى اسْتِقْرَارِهِمْ وَلَا مُنَاظَرَةُ عَزْمٍ عَلَى تَنْفِيذِهِمْ هُمُ الَّذِينَ جَرَتْ بِهِمُ الْمَعْرِفَةُ حَيْثُ جَرَى بِهِمُ الْعِلْمُ إِلَى نِهَايَةِ غَايَةٍ، خَنَسَتِ الْعُقُولُ وَبَادَتِ الْأَذْهَانُ وَانْحَسَرَتِ الْمَعَارِفُ وَانْقَرَضَتِ الدُّهُورُ وَتَاهَتِ الْحَيْرَةُ فِي الْحَيْرَةِ عِنْدَ نَعْتِ أَوَّلِ قَدِمٍ نُقِلَتْ لِمُرَافَقَةِ وَصْفٍ مَحَلَّ لَمْحَةٍ مِمَّا جَرَى عَلَيْهِمُ مِنَ الْعُلُومِ الَّتِي جَعَلَهَا لَهُمْ بِهِ لَهُ هَيْهَاتَ ذَلِكَ لَهُ مَا لَهُ بِهِ عِنْدَهُ لَهُ، فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ؟، أَمَا سَمِعْتَ طَبَّهُ لِمَا أبَدْاهُ وَكَشْفَهُ مَا رَوَاهُ وَاخْتِصَاصُهُ لِسِرِّ الْوَحْيِ لِمَنِ اصْطَفَاهُ {فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى} [النجم: ١١]، شَهِدَ لَهُ أَنَّهُ عَبْدُهُ وَحْدَهُ لَمْ يَجُرَّ عَلَيْهِ اسْتِعْبَادًا لِغَيْرِهِ يُخْفِي مَيْلَ هِمَّةٍ، وَلَا إِلْمَامَ شَهْوَةٍ وَلَا مُحَادَثَةَ نَظْرَةٍ وَلَا مُعَارَضَةَ خَطْرَةٍ وَلَا سَبْقَ بِلَفْظِهِ لَا يَسْبِقُ أَهْلُ الْحَقِّ الْحَقَّ بِنُطْقٍ وَلَا رُؤْيَةَ حَظٍّ بِلَمْحَةٍ، أَوْحَى إِلَيْهِ حِينَئِذٍ مَا أَوْحَى هَيَّأَهُ لِفَهْمِ مَا أَوْلَاهُ بِمَا بِهِ تَوَلَّاهُ وَاجْتَبَاهُ فَحَمَلَ حِينَئِذٍ مَا حَمَلَ أَوْحَى إِلَيْهِ حِينَئِذٍ مَا أَوْحَى بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى، ضَاقَتِ الْأَمَاكِنُ وَخَنَسَتِ الْمَصْنُوعَاتِ عَنْ أَنْ تَجْرِيَ فِيهَا أَوْ عَلَيْهَا أَوْحَى مَا أَوْحَى إِلَّا بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى {إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى} [النجم: ١٦] انْظُرْ نَظَرَ مَنْ خَلَا فِي نَظَرِهِ مِنْ عَيْنِ مَنْظُورِهِ إِلَى السِّدْرَةِ حَيْثُ غَشَاهَا {مَا يَغْشَى} [النجم: ١٦] فَثَبَتَتْ لِمَا غَشَاهَا وَانْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ حَيْثُ تَجَلَّى لَهُ {جَعَلَهُ دَكًّا} [الأعراف: ١٤٣] وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ أَنْ أَعُودَ لِمَسْأَلَتِكَ الرُّؤْيَا بَعْدَ هَذَا الْمَقَامِ، وَإِلَى إِكْثَارِهِ مَا فَرَّطَ مِنْ سُؤَالِهِ وَإِلَى أَنَّ الْقَلَمَ لَوْ صَادَفَ حَقِيقَةَ الرَّسْمِ لَا يَلِيقُ بِهِ الْكَتْمُ، وَانْظُرْ إِلَى إِخْبَارِهِ عَنْ حَبِيبِهِ {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى} [النجم: ١٣] الْعِنْدُ هَاهُنَا لَا يَنْتَهِي مَكَانٌ، إِنَّمَا يَنْتَهِي وَقْتُ كَشْفِ عِلْمٍ لِوَقْتٍ، وَانْظُرْ إِلَى فَضْلِ الْوَقْتَيْنِ وَمُخْتَلِفِ الْمَكَانَيْنِ وَفَرِّقْ مَا بَيْنَ الْمَنْزِلَتَيْنِ فِي الْعُلُوِّ وَالدُّنُوِّ، وَكَذَا فُضِّلَتْ عُقُولُ الْمُؤْمِنِينَ مِنَ الْعَارِفِينَ فَمِنْهَا مَنْ يُطِيقُ خِطَابَ الْمُنَاجَاةِ مَعَ عِلْمِ قُرْبِ مَنْ نَاجَاهُ وَأَدْنَاهُ فَلَا يَسْتُرُهُ فِي الدُّنُوِّ عِلْمُ الدُّنُوِّ وَلَا فِي الْعُلُوِّ عِلْمُ ⦗١٠٧⦘ الْعُلُوِّ وَمِنْهَا مَنْ لَا يُطِيقُ ذَلِكَ فَيَجْعَلُ الْأَسْبَابَ هِيَ الْمُؤَدِّيَةُ إِلَيْهِمُ الْفَهْمَ وَبِهَا يُسْتَدْرَكُ فَهْمُ الْخَطَّابِ فَيَكُونُ مِنْهُ الْجَوَابُ أَنْ لَا يَقِفَ عِنْدَ قَوْلِهِ {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ} [الشورى: ٥١]، وَهَذِهِ أَمَاكِنُ يَضِيقُ بَسْطُ الْعِلْمِ فِيهَا إِلَّا عِنْدَ الْمُفَاوَضَةِ لِأَهْلِ الْمُحَاضَرَةِ وَفِي الِاشْتِغَالِ بِعِلْمِ مَسَالِكِ الطُّرُقَاتِ الْمُؤَدِّيَةِ إِلَى عُلُومِ أَهْلِ الْخَاصَّةِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ خَلَوَاتِهِمْ وَبَرِئُوا مِنْ إِرَادَتِهِمْ وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ عَصَفَتْ بِهِمْ رِيَاحُ الْفِطْنَةِ فَأَوْرَدَتْهُمْ عَلَى بِحَارِ الْحِكْمَةِ فَاسْتَنْبَطُوا صَفْوَ مَاءِ الْحَيَاةِ لَا يَحْذَرُونَ غَائِلَةً وَلَا يَتَوَقَّعُونَ نَازِلَةً وَلَا يَشْرَهُونَ إِلَى طَلَبِ بُلُوغِ غَايَةٍ بَلِ الْغَايَاتُ لَهُمْ بِدَايَاتٌ هُمُ الَّذِينَ ظَهَرُوا فِي بَاطِنِ الْخَلْقِ وَبَطَنُوا فِي ظَاهِرِهِ أُمَنَاءَ عَلَى وَحَيِهِ، حَافِظُونَ لِسِرِّهِ نَافِذُونَ لَأَمْرِهِ قَائِلُونَ بِحَقِّهِ عَامِلُونَ بِطَاعَتِهِ: {يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ} [المؤمنون: ٦١] جَرَتْ مُعَامَلَتُهُمْ فِي مَبَادِئِ أُمُورِهِمْ بِحُسْنِ الْأَدَبِ فِيمَا أَلْزَمَهُمُ الْقِيَامَ بِهِ مِنْ حُقُوقِهِ فَلَمْ تَبْقَ عِنْدَهُمْ نَصِيحَةٌ إِلَّا بَذَلُوهَا وَلَا قُرْبَةٌ إِلَّا وَصَلُوهَا سَمَحَتْ نُفُوسُهُمْ بِبَذْلِ الْمُهَجِ عَنْ أَوَّلِ حَقٍّ مِنْ حُقُوقِهِ فِي طَلَبِ الْوَسِيلَةِ إِلَيْهِ فَبَادَرَتْ غَيْرَ مُبْقِيَةٍ وَلَا مُسْتَبْقِيَةٍ بَلْ نَظَرَتْ إِلَى أَنَّ الَّذِي عَلَيْهَا فِي حِينِ بَذْلِهَا أَكْثَرُ بِحَالِهَا مِمَّا بَذَلَتْ، لِوَائِحُ الْحَقِّ إِلَيْهَا مُشِيرَةٌ وَعُلُومُ الْحَقِّ لَدَيْهَا غَزِيرَةٌ لَا تُوقِفُهُمْ لَائِمَةٌ عِنْدَ نَازِلَةٍ وَلَا تُثَبِّطُهُمْ رَهْبَةٌ عِنْدَ فَادِحَةٍ وَلَا تَبْعَثُهُمْ رَغْبَةٌ عِنْدَ أَخْذِ أُهْبَةٍ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ "

<<  <  ج: ص:  >  >>