اعلم أنّ المسلمين بعد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لم يتّسم أفاضلهم بسمة سوى صحبة الرسول عليه الصلاة والسّلام، ثم سمي من صحب الصحابة التابعين، ثم قيل لمن بعدهم أتباع التابعين. ثم اختلف الناس، فقيل لخواصّ الأمّة: الزهّاد والعبّاد. ثم ظهرت البدعة وادّعى كل فريق أنّ فيهم زهّادا وعبّادا، فانفرد خواصّ أهل السنّة، المراعون أنفاسهم مع الله، الحافظون قلوبهم عن طوارق الغفلة باسم التصوّف. واشتهر هذا الاسم لهؤلاء الأكابر قبل المائتين. وأوّل من سمّي باسم الصوفيّ أبو هاشم الثوريّ. ولولا أبو هاشم الصوفيّ لما عرفت دقائق الرياء.
سأل بعض الصوفية في منامه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن التصوّف، فقال: ترك الدعاوى وكتمان المعاني. بعضهم: صدور الأحرار قبور الأسرار. بطليموس: قلوب الأحرار حصون الأسرار. قيل: حق الأسرار صونها عن الأغيار. السّهروردي، عن رابعة «١» :
إني جعلتك في الفؤاد محدّثي ... وأبحت جسمي من أراد جلوسي
فالجسم مني للجليس مؤانس ... وحبيب قلبي في الفؤاد أنيسي
قالت رابعة في مناجاتها: إلهي أتحرق قلبا يحبّك بالنار؟ فسمعت: ما كنّا نفعل هذا فلا تظنّي بنا ظنّ السّوء. سئل رويم «٢» عن التصوف فقال: الصوفيّ هو