الروضة الحادية والثلاثون في الأصوات والألحان والغناء والسماع واللهو واللعب واللذّات وذكر النبيذ والسّكر وما شاكل ذلك
لمّا بلغ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثنيّة الوداع في هجرته استقبله الجواري يضربن بالدفوف ويغنّين ويقلن:
طلع البدر علينا ... من ثنيّات الوداع
وجب الشكر علينا ... ما دعا لله داع
دخل الشعبيّ وليمة فأقبل على أهلها فقال: ما لكم كأنكم جمعتم على جنازة، أين الغناء والدفّ؟. قيل لأبي حنيفة وسفيان: ما تقولان في الغناء؟
فقالا: ليس من الكبائر ولا من أسوأ الصغائر. قيل: لا يكره الغناء إلا من عرضت له آفة في حاسّته، كما لا يكره الطيب إلّا من في شمّه آفة. وقيل: من سمع الغناء ولم يرتح له كان عديم الحسّ، أو سقيم النفس.
ومن سمع الغناء بغير قلب ... ولم يطرب فلا يلم المغنّي
وقيل: الغناء غذاء الأرواح كما أنّ الأطعمة غذاء الأشباح، وهو يصفّي الفهم، ويرقّق الذهن، ويليّن العريكة، ويثني الأعطاف، ويشجّع الجبان، ويسخّي البخيل. بعض العلماء: الأمّ تناغي الصبيّ فيقبل سمعه على مناغاتها، وإذا اصطادوا الفيلة جمعوا لها الملاهي والمغنّين فتلهى عن رعيها وتسهو عن الهرب حتى تؤخذ وتخطم «١» ، والإبل تزداد نشاطا بالحدو، وتسرع وتلتفت يمنة