وبقي على هذه الحال، يدرّس ويؤلف الكتب، حتى وافته المنيّة في مدينة «أدرنة» سنة ٩٤٠ هـ الموافقة لسنة ١٥٣٤ م. وصلّي عليه وعلى العلامة ابن كمال باشا صلاة الغائب في الجامع الأموي بدمشق، يوم الجمعة ثاني ذي القعدة من السنة المذكورة.
كان الأماسيّ عالما صالحا متقشفا، مقبلا على العلم والعبادة طوال حياته التي امتدت ستا وسبعين سنة هجرية. وكان طليق اللسان، جريء الجنان، قويا على المحاورة مقتدرا على المناظرة فصيحا عند المباحثة، وكل ذلك جعله يتفوق على كثير من علماء عصره.
وعرف عن الأماسيّ أنه كان ذا أنفة وإباء، وقانعا بما هو فيه، لا يتزلف ولا يتقرّب إلى أحد من الوزراء أو السلاطين، ويقول لطلابه: نحن المخدومون وهم الخدّام، ويقول عن السلطان العثماني: يكفيه فخرا أن يذهب إليه عالم مثل ابن الخطيب (يعني نفسه) .
وقد ساعده ذكاؤه وحبّه للعلم والتعليم على أن يتقن كثيرا من علوم عصره.
فكان عارفا بالحديث النبوي، ذا مهارة في القراءات والتفسير، والتواريخ، واطلاع عظيم على العلوم الغريبة: كالأوفاق والتعبير والجفر والموسيقا، مع المشاركة في علوم أخرى كثيرة، وهذا كله جعله قريبا من الناس، الذين يفدون عليه، أو يسعون إلى استماع دروسه في الحلقات العلمية والدينية، إذ كانت له أيضا يد طولى في الوعظ والتذكير. وكان- إلى ذلك- شاعرا ينظم القصائد بالعربية والتركية.
ألّف الأماسيّ كتبا كثيرة ومختلفة، ومعظمها حواش على شروح بعض المؤلفات، ورسائل وتعليقات في موضوعات مختلفة، ولم يطبع منها سوى