السلطنة المملوكية والعثمانية. ومن هنا تأتي أهمية تلك الكتب التي وصلت إلينا من عصري المماليك والعثمانيين، اللذين ظلمهما عدد من الباحثين حين أطلقوا عليهما اسم «عصور الانحطاط» أو «عصور الانحدار» . وهذا الحديث ذو شجون، ولا يتسع المقام هنا للإفاضة وبسط الكلام.
وقد جعل ابن قاسم الأماسي كتاب «روض الأخيار» أشبه بمائدة كبيرة عليها صنوف كثيرة ومتنوعة من الأطعمة والحلويات، أو دوحة ذات ظلال وأشجار ومياه عذبة، وترك للقارىء الحريّة في الاختيار والانتقاء من تلك الروضة الفينانة، والحديقة الغنّاء، وإنك لتجد في رياض «الأماسيّ» الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، والمختارات الشعرية والنثرية الجميلة والحكم، والرسائل والأخبار المشوّقة التي تدل على اتساع المخزون الأدبي والثقافي عند مؤلفه.
وقد كسّره الأماسي على خمسين روضة، والروضة الواحدة هنا يقصد بها ما يسمّى عادة بالباب أو الفصل. ولكل منها عنوان يطول أو يقصر، بحسب ما تشتمل عليه كل روضة من رياضه.
وهذا الكتاب بروضاته الخمسين لا يكاد يترك شيئا من شؤون الدين والدنيا، كالعبادات، والجهاد والقضاء، والصّبر والذكر، ومكارم الأخلاق والصناعات، والسماء بما فيها من سحاب ومطر، والأرض بما عليها من ثلج ورياح ونيران وسرج، وكذلك الصحة والمرض، والأجوبة المسكتة، والطعام والنساء والحبّ، والألحان والغناء والأضاحيك والمداعبات، والبكاء، والحزن، والملابس، فضلا عن اللغة واللحن في الكلام، والحماقة، والمكر والاحتيال، والسفر والغربة والفصاحة والبلاغة، وأحوال الجواري، والوصايا ... الخ.