الحجاج يوما إلى الجامع فسمع ضجّة شديدة فقال: ما هذا؟ فقيل: أهل السجون يضجّون من شدّة الحرّ. فقال: اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ
«١» . وأحصي من قتلهم سوى من قتل في عساكره فوجد مائة وعشرون «٢» ألفا، ووجد في حبسه مائة ألف وأربعة آلاف رجل وعشرون ألف امرأة. وكان حبس الرجال والنساء في مكان واحد، ولم يكن في محبسه سقف ولا ظلّ من الشمس، وربما كان يستتر الرجل من الشمس بيده، من الحرّ، فيرميه الحرس من فوقه بالآجرّ. وكان أكثرهم مقرّنين في السلاسل.
عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى: لو جاءت كلّ أمّة بمنافقيها وجئنا بالحجاج فضلناهم. قيل: لمّا صلب الحجاج عبد الله بن الزبير جاءت أمّه أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما فلما رأته حاضت مع كبر سنّها وقد بلغت مائة سنة، وخرج اللبن من ثدييها، فقالت: حنّت إليه مراتعه، ودرّت عليه مراضعه. ثم دخلت على الحجاج فقالت: أما حان لهذا الراكب أن ينزل؟ فقال الحجاج: خلّوا بينها وبين جيفتها. قيل: صلب عبد الله بن الزبير ثالث مصائب المسلمين، الأولى: قتل عثمان، والثانية: قتل الحسين، والثالثة: صلبه ورمي الكعبة بالمنجنيق وهدمه «٣» واستحلال الحرم والإغارة على أهل مكة. اللهم احفظ أمّة محمد عليه أفضل الصلاة والسّلام عن أمثال هذه المصائب. مرّت امرأة جعفر ابن يحيى «٤» به وقد صلب فقالت: لئن صرت اليوم آية، كنت بالأمس غاية.