- العراف: ومن ذلك البحر وهذه السماء جاءكم، فهو ساحر يسبح فوق البحر آنا ويغوص في جوفه آنا، ثم هو يطير في الهواء بأجنحة كأنه في جماعة النسور.
- السلطان: ولكن لماذا أطلقوا عليه، أو أطلق على نفسه، هذا الاسم المركب الذي لم يألفه الناس اسما بين الأسماء وهل سمعت -أيها القديس- باسم كهذا من قبل؟
- العراف: الذي أطلق عليه اسم "الغزو الثقافي" هو أنتم يا مولاي، هو أهل جزيرتكم فاستملح هو الاسم حين سمعه، واصطنعه لنفسه، وكأنه عده ضربا من التحدي فقبل التحدي، قذفتم له بالقفاز كما كان يفعل المتبارزون، فالتقط هو القفاز. هو في الأصل كان اسمه "ثقافة" فقط وكان وهو بهذا الاسم البسيط في صورة بشرية من لحم ودم، فلما تحول على أيديكم وأيدي أهل الجزيرة، يا مولاي من "ثقافة" إلى "غزو ثقافي" تحول كيانه تبعا لذلك، ليتم التطابق بين الاسم والمسمى فتحول من صورته البشرية الأولى إلى صورته الشبحية الراهنة، وماذا كنتم تريدون له أن يفعل ما دمتم قد جعلتموه شيئا لا وجود له بين ما هو موجود في دنيا الوقائع والحقائق.
- السلطان: ماذا تعني بهذا الكلام العجيب؟
- العراف: أعني أن الموجود عندنا أو عند غيرنا هو ثقافة لا غزو فيها, فإذا أضفتم إليها صفة الغزو، انتقلت هي بعد هذه الإضافة من الوجود إلى العدم؟ ومن هنا جاءت ضرورة أن يتحول الجسم الحي إلى شبح كالذي رأيته ليلة أمس يا مولاي.
وبعد أن فرغ زائري من روايته لما قصه عليه صديقه الرحالة ضحك ضحكة هادئة وسألني: هل خرجت من هذه القصة بشيء، قلت له: نعمن بالتأكيد فقد كنت أتابع ما نقلته عن صديقك فأشعر كأنني أتابع قصة الثقافة في مصر إبان تاريخها الحديث، أو على الأقل خلال فترات من ذلك التاريخ، منها هذه الفترة الراهنة التي نجتازها اليوم, فأدهشت إجابتي الأخ الزائر دهشة انفعل بها حتى أخرجته من هدوئه فسألني بما يشبه الصياح، وهو يمد ذراعيه أمامه ويطوح بهما ذات اليمين وذات اليسار مرة وإلى أعلى وإلى أسفل مرة أخرى قائلا في ذهوله ماذا: تقول يا أخانا؟ أقص عليك خرافة عاشتها جزيرة نائية حينا من دهرها، فتجعلها أنت تصويرا للثقافة المصرية في بعض مراحل تاريخها الحديث كيف كان ذلك يا مولانا قل لي بربك كيف كان ذلك؟