للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والمُحَدَّثُ: هو المُلْهَمُ المخاطَبُ في سِرِّه، وما قال عُمرُ لشيءٍ إِنِّي لأظنُّه كذا وكذا؛ إِلا كان كما ظَنَّ. وكانوا يَرَون أَنَّ السَّكينةَ تنطِقُ على قلبه ولسانه.

وأيضاً: فإِذا كانت الأمورُ الكونيَّةُ، قد تنكشِفُ للعبد المؤمن لقوَّة إِيمانه يقيناً وظنّاً، فالأمورُ الدِّينيَّةُ كَشْفُها له أَيسرُ بطريق الأَولى، فإِنَّه إِلى كَشْفِها أحوج. فالمؤمنُ تقعُ في قلبه أدلَّةٌ على الأشياء؛ لا يمكنه التعبيرُ عنها في الغالب، فإِنَّ كُلَّ أَحَدٍ لا يمكنه إِبَانةُ المعاني القائمةِ بقلبِه، فإِذا تكلَّم الكاذبُ بين يدي الصَّادق، عرف كذِبَه مِنْ فحوى كلامِه، فتدخُلُ عليه نخوةُ الحياءِ الإِيماني فتمنعُه البيانَ، ولكن هو في نَفْسِهِ قد أَخَذَ حِذْرَهُ منه، وربما لَوَّحَ أو صَرَّحَ به خوفاً مِنْ الله، وشفقةً على خَلْقِ الله؛ ليحذروا مِنْ روايته أو العمل به.

وكثيرٌ من أهل الإِيمان والكشف يُلقي اللهُ في قلبه أَنَّ هذا الطعامَ حرامٌ، وأَنَّ هذا الرَّجُلَ كافرٌ، أو فاسقٌ، أو دَيَّوثٌ، أو لُوطي، أو خمَّار، أو مُغَنِّي، أو كاذب، مِنْ غير دليل ظاهر، بل بما يُلقي الله في قلبه. وكذلك بالعكس، يُلقي في قلبه حُجَّةً (١) لشخص، وأَنَّه مِنْ أولياء الله، وأَنَّ هذا الرَّجُلَ صالح، وهذا الطعامَ حلالٌ، وهذا القولَ صِدْقٌ. فهذا وأمثالُه لا يجوز أن يُستبعد في حَقِّ أولياء الله المؤمنين المتِّقين، وقِصَّة الخَضِر مع موسى هي مِنْ هذا الباب، وأَنَّ الخَضِر عَلِم هذه الأحوال المعينة (٢) بما أطلعه اللهُ عليه. وهذا باب واسع يطولُ بَسْطُهُ، قد نَبَّهنا فيه على نُكَتٍ شريفةٍ تُطلِعُك على ما وراءَها (٣).


(١) «حجة» في «مجموع الفتاوى»: «محبة».
(٢) «المعينة» كذا في الأصل و (ك)، ولعلَّ الصواب: المغيبة.
(٣) «مجموع الفتاوى» (٢٠/ ٤٢ - ٤٨).

<<  <   >  >>