للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أَبُو الْهَيْثَمِ بْنُ التيهَان١ من بني عَبْد الْأَشْهَل، وعويم بْن سَاعِدَة من بني عَمْرو بْن عَوْف حَلِيف٢ لَهُم من بلي.

فَبَايع رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَؤُلَاءِ عِنْد الْعقبَة على بيعَة النِّسَاء٣، وَلم يكن أَمر بِالْقِتَالِ بعد. فَلَمَّا انصرفوا٤ بعث رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهم ابْن أم مَكْتُوم، وَمصْعَب بْن عُمَيْر يعلم من أسلم مِنْهُم بِالْقُرْآنِ وَشَرَائِع الْإِسْلَام، وَيَدْعُو من لم يسلم إِلَى الْإِسْلَام. فَنزل مُصعب بْن عُمَيْر على أسعد بْن زُرَارَة. وَكَانَ مُصعب بْن عُمَيْر يدعى المقرىء الْقَارئ، وَكَانَ يؤمهم، فَجمع بهم أول٥ جُمُعَة جمعت فِي الْإِسْلَام فِي هزم٦ حرَّة بني بياضة فِي بَقِيع يُقَال لَهُ بَقِيع٧ الْخضمات، وهم أَرْبَعُونَ رجلا.

فَأسلم على يَد مُصعب بْن عُمَيْر خلق كثير من الْأَنْصَار، وَأسلم فِي جَمَاعَتهمْ سعد بْن معَاذ وَأسيد بْن حضير، وَأسلم بإسلامهما جَمِيع بني عَبْد الْأَشْهَل فِي يَوْم وَاحِد: الرِّجَال وَالنِّسَاء، لم يبْق مِنْهُم أحد إِلَّا أسلم، حاشا الأصيرمَ، وَهُوَ عَمْرو بْن ثَابت بْن وقش، فَإِنَّهُ تَأَخّر إِسْلَامه إِلَى يَوْم أحد، فَأسلم وَاسْتشْهدَ، وَلم يسْجد لله سَجْدَة. وَأخْبر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنه من أهل الْجنَّة. وَلم يكن فِي بني عَبْد الْأَشْهَل مُنَافِق وَلَا منافقة، كَانُوا كلهم حنفَاء مُخلصين، رَضِي اللَّه عَنْهُم أَجْمَعِينَ.

وَلم يبْق دَار من دور الْأَنْصَار إِلَّا وفيهَا مُسلمُونَ: رجال وَنسَاء، حاشا بني أُميَّة بن


١ فِي ابْن سيد النَّاس أَن أهل الْحجاز ينطقونه بتَخْفِيف الْيَاء وَغَيرهم يشددها.
٢ انْفَرد ابْن إِسْحَاق بقوله إِن عويما حَلِيف لبني عَمْرو بن عَوْف. انْظُر الِاسْتِيعَاب ص٥٢٨.
٣ وَاضح من تعقيب ابْن عبد الْبر على هَذِه الْبيعَة أَنهم لم يبايعوه على الْقِتَال، فَهِيَ بيعَة كبيعة النِّسَاء حِينَئِذٍ على الدُّخُول فِي الْإِسْلَام، بيعَة عمادها أَن لَا يُشْرك المبايع الله شَيْئا وَأَن لَا يسرق وَلَا يَزْنِي وَلَا يقتل أَوْلَاده وَلَا يَأْتِي بِبُهْتَان وَلَا يَعْصِي الله فِي مَعْرُوف.
٤ انصرفوا هُنَا: أَي حَان انصرافهم.
٥ قَالَ السُّهيْلي فِي الرَّوْض الْأنف ١/ ٢٧٠: تجميع أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم الْجُمُعَة فِي الْمَدِينَة وتسميتهم إِيَّاهَا بِهَذَا الِاسْم هَدِيَّة من الله لَهُم قبل أَن يؤمروا بهَا. ثمَّ نزلت سُورَة الْجُمُعَة بعد أَن هَاجر رَسُول الله إِلَى الْمَدِينَة، فاستقر فَرضهَا، وَاسْتمرّ حكمهَا، وَلذَلِك قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: "أضلته الْيَهُود وَالنَّصَارَى وهداكم الله إِلَيْهِ". وروى الدَّارَقُطْنِيّ عَن ابْن عَبَّاس: آذَنَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم بهَا لَهُم قبل الْهِجْرَة. وَانْظُر ابْن سيد النَّاس ١/ ١٥٨ وَعند ابْن إِسْحَاق أَن أول من صلى بِالْمُسْلِمين الْجُمُعَة فِي الْمَدِينَة أسعد بن زُرَارَة. انْظُر ابْن هِشَام ٢/ ٧٧.
٦ الهزم: الْمَكَان المطمئن من الأَرْض.
٧ بَقِيع: هَكَذَا بِالْبَاء فِي الأَصْل وَفِي ابْن سيد النَّاس، وَهُوَ مَوضِع بنواحي الْمَدِينَة. وَقد سَمَّاهُ الْبكْرِيّ فِي مُعْجَمه نَقِيع الْخضمات بالنُّون.

<<  <   >  >>