للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ينوب عنه بنفسه، ولا يجوز لأحد من الأفراد عالِم أو غير عالِم أن يوقع العقوبة بنفسه، وإلا تنقلب الأمور إلى فوضى.

الحالة الثانية: أن تكون المعصية راهنة، وصاحبها مباشِر لها، كلبسه الحرير، أو إمساكه العود، أو تختّمه بالذهب؛ فإبطال هذه المعصية واجب بكلّ ما يمكن، ما لم تُؤدِّ إلى معصية أفحش منها أو مثلها. وذلك يثبت للآحاد من الرّعيّة. أي: أن الأفراد والمجتمع ووليّ الأمر مطالبون شرعاً بالحيلولة دون وقوع المُنكر، بشرط ألاّ يؤدِّيَ النهي والمنع إلى معصية مثلها أو أشدّ منها.

الحالة الثالثة: أن يكون المُنكَر متوقَّعاً، كالذي يستعدّ بكنس المجلس وتزيينه وجمع الرياحين، لِشُرب الخمر؛ فهو مؤهَّل لارتكاب المعصية، ولم يرتكبها بَعْد. فهذا مشكوك فيه؛ إذ ربما يعوقه عائق. فلا يثبت للآحاد سلطةٌ على العازم على الشرب إلاّ بطريق الوعظ أو النصح، فأمّا التعنيف والضرب فلا يجوز للآحاد ولا للسلطان، إلاّ إذا كانت تلك المعصية عُلمت منه بالعادة المستمرّة، وقد أقدم على السبب المؤدِّي إليها، ولم يبق لحصول المعصية إلاّ ما ليس له فيه إلاّ الانتظار.

فدرء هذه المفاسد والمُنكَرات لا يتمّ بالانفعال الموقوت، والعاطفة الجيّاشة، والحماس الأرعن، الذي قد يُفسد أكثر ممّا يصلح، ويضرّ أكثر من أن ينفع.

وإنّما الأمر يتطلب الرّوية وعدمَ الاندفاع. وينبغي دراسة ما يترتّب على الأمْر والنّهي، ومدى ردّ فعل العاصي: هل سيتسجيب من فوْره ويكفّ عن ارتكاب المعصية، ويُبدي أسفه وندمَه، أم سيُعاند ويُكابر وينتقل إلى فاحشة أشدّ؟ أم سيقاوم وسيعتدي على مَن يريد منْعَه، وقد يُلحق به الأذى.

<<  <   >  >>