واحتُرز أيضاً عمّا سيوجد في ثاني الحال، كمن يعلم بقرينة حال أنّ الشخص عازم على الشّرب ليلته ولم يشرب بَعد، فالمحتسِب ليس له عليه إلاّ الوعظ. وإن أنكر هذا الشخص عزْمه على ارتكاب المنكَر، لم يجُز وعظه أيضاً؛ فإن فيه إساءة ظنٍّ بالمسلم، وربما صدق في قوله، وربما لا يقوم على ما عزم عليه لعائق مَنَعه.
الشرط الثالث: أن يكون المُنكَر ظاهراً للمحتسِب بغير تجسّس؛ فكلّ مَن ستَر معصية في داره وأغلق بابه، لا يجوز التّجسّس عليه. ولقد نهى الله عن التّجسّس فقال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلاَ تَجَسَّسُوا}(الحُجُرات:١٢).
"فاعلمْ: أن مَن أغلق باب داره وتستّر بحيطانه، فلا يجوز الدخول عليه بغير إذنه لِتعرّف المعصية، إلاّ أن يُظهر المعصية في الدار ظهوراً يَعرفه من هو خارج الدار، كأصوات المزامير، أو صيحات السكارى؛ فهذا إظهار يوجب الإنكار والاحتساب فيه". ثم يذكر أنه إذا وجدنا فاسقاً يحمل قارورة خمر بين طيات ملابسه، فلا يجوز كشف ما تحته ثيابه.
وقد أُمرنا أن نستر ما ستر الله، وننكر على من أبدى لنا صفْحته، لورود حديث شريف في هذا المعنى.
الشرط الرابع: أن يكون منكَراً معلوماً بغير اجتهاد؛ فكلّ ما هو في محلّ الاجتهاد فلا إنكار عليه ولا حسبة فيه. فليس للحنفي أن يُنكر على الشافعي أكْله الضب، والضبع، ومتروكَ التسمية، ولا على الشافعي أن يُنكر على الحنفي شُربه النبيذ الذي لا يُسكر، وتناوله ميراث ذوي الأرحام.