فهذه الآية الكريمة أصْل عظيم من أصول الدّعوة إلى الله؛ فهي تدْعوه إلى الحِكمة في القول، واللِّين في الخطاب، وأدب المجادلة، وسعة الصدر، والإنصات إلى آراء الآخَرين من غير ذمّ وتقريع وتوبيخ، والتوجيه والإرشاد والتذكرة، مستعيناً بالله، وبأساليب خير الكلام من القرآن الكريم وهدْي الرسول -صلى الله عليه وسلم-. ويتخلّله قصص الأمم البائدة، وأحوال الشعوب المعاصرة. يتنقّل به من موعظة إلى أخرى، ويسوق له الدليل تلو الدليل، يُرغِّب ويُبشِّر إذا كان يُجدي، ويُنذر ويُحذّر إذا كان ينفع. يصف الجنّة ونعيمها، والنار وأهوالها. ويكون لدى الدّاعي من روعة الحديث، وحسْن البيان، ودقّة التعبير، ما يحمل السامع على الاقتناع بالموعظة، والانتفاع بالتّذكرة.
ولقد كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- المَثَل الأعلى في استمالة النفوس والتأثير على القلوب، والوصول إلى المشاعر والعواطف، بحُسْن الحديث وأدب الموعظة.
وعلّم أصحابه كيف تكون الدّعوة إلى الله.
روى ابن الجوزي -رحمه الله- قال:"مرّ أبو الدرداء -رضي الله عنه- على رجل قد أصاب ذنباً، فكانوا يسبّونه، فقال: أرأيتم لو وجدتموه في قليب، ألم تكونوا مُستخرجيه؟
قالوا: بلى، قال: فلا تسُبّوا أخاكم، واحمدوا الله -عز وجل- الذي عافاكم.
قالوا: أفلا تُبغضه؟ قال: إنما أبغض عمله، فإذا تركه فهو أخي".
وعلى الدّاعية أن لا يُثقل بالموعظة، حتى لا يَسأم الناس مِن كلامه، ويَثقل عليهم حديثُه. وهذا من أدب الرسول -صلى الله عليه وسلم-، كما جاء في قول أصحابه:((كان -صلى الله عليه وسلم- يتخوّلنا بالموعظة، مخافة السآمة علينا)، -أي يُخفّف فيها-.