فالرسول -صلى الله عليه وسلم- أفصَح فُصحاء العَربية، وأطلقُهم لِساناً، وأعذبُهم حديثاً، وأبلغُهم منطقاً. وقد أُوتيَ -صلى الله عليه وسلم- جَوامعَ الكَلِم.
قال الإمام العلامة أبو سليمان الخطّابي -رحمه الله تعالى-: "اعلمْ: أن الله تعالى لمَّا وَضع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مَوضع البَلاغ من وَحْيه، ونصّبه مَنصب البيان لدِينه، اختار له من اللغات أعذَبَها، ومن الألسُن أفصحَها وأبْيَنها. ثم أمدّه بجَوامع الكَلِم، التي جعلها رِدءاً لنبوّته، وعَلَماً لرسالته، لِينتَظِم في القَليل منها عِلْم كَثير، يَسهُل على السامِعين حِفظُه، ولا يَؤودُهم حَملُه. فمَن تَتبّع جوامِع كلامه -صلى الله عليه وسلم- لم يُعْدَم بيانها".
واللغة العربية كان يَنطقها العَربيّ بالسَّليقة، ويَتذوّق معانيها بالفِطرة، لا يَعرف نِقاطاً ولا علامات على الحروف، ولا تَشكيلاً للكَلمات.
وكان يُعبِّر عمّا يَجيش في خاطِره شِعراً أو نَثراً، بلُغة فَصيحة، سليمة بليغة، لا تَعرف اللَحن، ولا يَفشو فيها الخَطأ، وتَرفَّعت عن عُجْمة الفُرس، وتَنزَّهت عن لُغة الروم.
ولمّا جاء القرآن الكريم بلسانٍ عَربيّ مُبين، على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ازدادت مكانة اللّغة العربية، فارتفعت هامَتُها بين لغات الأمم، وأكسبها القرآن قُدسيّةً ومَهابةً، وأضفى عليها ثوباً قَشيباً من بَلاغة الأسلوب، وجَمال التَّصوير، وجَلال المَعاني، وموافقة الطَّبائع، ولمس السرائر، ورؤى المستقبل، وأحداث التاريخ، وإشارات العُلوم.
وكذلك أضاف إليها الرسول -صلى الله عليه وسلم- ببلاغَته وفصاحَته، من خِلال أقواله -صلى الله عليه وسلم- مَنزلةً رَفيعة، ومَرتبة سامية. وهكذا تضافَرت على اللغة العربية تلك العَوامل التي حافظت على بقائِها ونقائِها، لارتباطِها بالقرآن الكريم، الذي تَعهَّد الله بحِفظه، قال تعالى:{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}(الحِجر:٩).