وتلاحم الثقافات. وقد حفلت بهذا الأمر المنتدياتُ الفكريّة، وروّجت له وسائل الإعلام، وأقيمت له المؤتمرات، وشُكِّلت له اللِّجان، ورُصدت لذلك الأموال ...
وهُرع إلى هذا الحوار بعضُ المسلمين الذي انخدعوا ببريقه، وتولّى كِبرَه مَن تغذّى على موائد الغرب، وانغمس في بريق حضارته المادّيّة الزائفة، حتى عمِيتْ بصيرتُه وطُمس قلبُه، وردّد ما يدعون إليه، دون أن يعرف أنّ هذه الدعاوى تُفقد الإسلامَ خصوصيّته وتطمس هويّته، لأنهم لا يَقبلون الحوار الذي يحمل بين ثناياه خصوصيّة الإسلام التي توجب على المسلمين أن يتحاوروا مع غيرهم، وأن يتجادلوا معهم بالحسنى، وفْقَ الضوابط التي وضعها القرآن الكريم في قوله تعالى:{قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ}(آل عمران:٦٤).
فالإسلام لا يخشى الحوار، ولا يضيق بالمناقشة، طالما يُثمر في النهاية الرضوخ للحق، والإذعان للإسلام، أو مهادنته وحسن الجوار في رحابه.
وإنّ من خصوصيّة الدعوة الإسلامية: أنها قامت على الحوار وحسْن المناقشة وسعة الصدر.
فالرسول -صلى الله عليه وسلم- تحاور مع كفار مكة، وجادل يهود المدينة، وتناقش مع وفْد نصارى نجران. وجعفر بن أبي طالب -رضي الله عنه- تحدّث مع نجاشي الحبشة، وتحاورا في مسائل العقيدة النصرانية وموقف الإسلام منها.