للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من خلال الأخلاق والمعاملات الإسلامية. وشمول الإسلام لشؤون الحياة وسلوك الإنسان هو شمول عام محيط بكل أمور الدِّين والدنيا، لا يقبل تخصيصاً ولا استثناءً؛ فالبشر جميعاً في دائرة أحكامه سواء، كما قال -صلى الله عليه وسلم-: ((الناس سواسية كأسنان المشط، لا فضْل لعربيّ على أعجمي، ولا لأبيض على أسود، إلاّ بالتقوى والعمل الصالح. كلّكم لآدم، وآدم من تراب. إنّ أكرمَكم عند الله أتقاكم)).

وهذا هو الفرق بين الإسلام في شمول تعاليمه، وبين شرائع وقوانين البشَر التي تعالج أمور الإنسان من زاوية خاصّة بهذا التشريع، ولا شأن لها بالأمور الأخرى.

والمسلم أمام شرع الله يجب أن يؤمن به كلّه، وأن يلتزم بكلّ ما أمر الله به، وأن يجتنب كلّ ما نهى الله عنه. فليس من كمال الإيمان: أن يأخذ الإنسان من الدِّين ما يُحقِّق منفعته الذاتية ورغباته، ويُبعد ما يحول دون شهواته ورغباته. قال تعالى محذِّراً من تجزئة الأحكام الشرعية وأخْذ البعض وتعطيل البعض الآخر: {أََفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} (البقرة:٨٥).

كما ليس من صحيح الإيمان أن يُستعاض عن شرع الله بما شرعه البشَر من قوانين ونُظم، قال تعالى: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} (المائدة:٥٠).

فالإسلام عبر تشريعاته يهتمّ بالإنسان من حيث تكوينه النفسي والجسدي، فنظَّم الغرائز كغريزة حبّ التملك أو الجنس وغيرهما، فلا يحرمه منها. ولم يترك له الانغماس فيها، والوقوع في براثن شهواتها، ولكنّه يلائم وينسِّق بين رغبات الجسم ومتطلبات الروح، ويوازن بين متطلّبات الفرد ومصلحة المجتمع دون إفراط أو تفريط. ولم يَنْحُ نحو المسيحية في الانخراط في سلك الرهبانية والانعزال

<<  <   >  >>