إلى العمل، تكدّر به صفْوُه وزال به إخلاصه. والإنسان قلّما ينفكّ فعلٌ من أفعاله أو قولٌ من أقواله مِن أغراض الدنيا. وتتوقّف درجة الإخلاص على مدى الباعث على أداء العمل؛ فكلما تجرّد العمل لله، وخلُص القصد له، صحّ الإيمان؛ قال تعالى:{قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ}(الأنعام:١٦٢، ١٦٣).
ولقد ذكّر الله عبادَه بالإخلاص في كلّ صلاة يؤدّونها، حيث يقرأ المسلم في كلّ ركعة قوله تعالى:{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}(الفاتحة:٥)، والمعنى: قصْر العبادة والاستعانة بالله دون أحدٍ من الخلْق.
وهذا ما أمَر به -صلى الله عليه وسلم- عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- منذ أن كان غلاماً؛ فقد روي عنه أنه قال:((كنتُ خلْف رسول الله -صلى الله عليه وسلم-يوماً، فقال: يا غلام. ألاَ أعلِّمْك كلمات؟ قال: بلى، يا رسول الله. قال: احفظِ الله يحفظْك. احْفظ الله تجدْه تجاهك. وإذا سألْتَ فاسأل الله. وإذا استعنْتَ فاستعِنْ بالله. واعلمْ أنّ الأمّة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء، لم ينفعوك إلاّ بشيء قد كتبه الله لك. واعلمْ أنّ الأمّة لو اجتمعت على أن يضرّوك بشيء، لم يضرّوك إلاّ بشيء قد كتبه الله عليك. رُفعت الأقلام وجفّت الصّحف)) الحديث.
ولقد كان الإخلاص في الدّعوة إلى الله منذ فجر الإسلام من أكبر عوامل نجاحه وانتصاراته.
فالرسول -صلى الله عليه وسلم- خلال مراحل الدّعوة في مكة المكرمة والمدينة المنورة، كان نموذجاً حياً، ومثالاً صادقاً للإخلاص، حتى أن انشغاله بأمور الدّعوة مَلَك كلّ لحظات حياته لدرجة أن الله -سبحانه وتعالى- أشفق عليه من همومه وحرْصه على إدخال الناس في