للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويطيف بهذه المواضع كلها دائر البيت العتيق وعلى بعد منه يسيرا مشاعيل توقد في صحاف حديد فوق خشب مركوزة فيتقد الحرم الشريف كله نورا ويوضع الشمع بين أيدي الأئمة في محاريبهم والمالكي أقلهم شمعا وأضعفهم حالا لأن مذهبه في هذه البلاد غريب والجمهور على مذهب الشافعي وعليه علماء البلاد وفقهاؤها إلا الإسكندرية وأكثر أهلها مالكيون وبها الفقيه ابن عوف وهو شيخ كبير من أهل العلم بقية الأئمة المالكية.

وفي إثر كل صلاة مغرب يقف المؤذن الزمزمي في سطح قبة زمزم ولها مطلع على أدراج من عود في الجهة التي تقابل باب الصفا رافعا صوته بالدعاء للإمام العباسي أحمد الناصر لدين الله ثم للأمير مكثر ثم لصلاح الدين أمير الشام وجهات مصر كلها واليمن ذي المآثر الشهيرة والمناقب الشريفة فإذا انتهى إلى ذكره بالدعاء ارتفعت أصوات الطائفين بالتأمين بألسنة تمدها القلوب الخالصة والنياب الصادقة وتخفق الألسنة بذلك خففا يذيب القلوب خشوعا لما وهب الله لهذا السلطان العادل من الثناء الجميل وألقى عليه من محبة الناس وعاد الله شهدائه في أرضه ثم يصل ذلك بدعاء لأمراء اليمن من جهة صلاح الدين ثم لسائر المسلمين والحجاج والمسافرين وينزل هكذا دأبه دائما أبدا.

وفي القبة العباسية المذكورة خزانة تحتوي على تابوت مبسوط متسع وفيه مصحف أحد الخلفاء الأربعة١ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وبخط زيد بن ثابت رضى الله عنه منتسخ سنة ثماني عشرة من وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وينقص منه ورقات كثيرة وهو بين دفتي عود مجلد يمغاليق من صفر كبير الورقات واسعها عايناه وتركنا بتقبيله ومسح الخدود فيه نفع الله بالنية في ذلك.

وأعلمنا صاحب القبة المتولى لعرضه علينا: أن أهل مكة متى أصابهم قحط أو نالتهم شدة في أسعارهم أخرجوا المصحف المذكور وفتحوا باب البيت الكريم


١ هو مصحف عثمان بن عفان.

<<  <   >  >>