للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[سيف الإسلام]

وفي ليلة الثلاثاء الثاني من الشهر مع العشي طاف الأمير مكثر بالبيت مودعا وخرج للقاء الأمير سيف الإسلام طغتكين بن أيوب اخى صلاح الدين وقدتقدم الخبر بورود من مصر منذ مدة ثم تواتر إلى أن صح وصوله إلى الينبوع١ وأنه عرج إلى المدينة لزيارة الرسول صلى الله عليه وسلم وتقدمت أثقاله إلى الصفراء٢ والمتحدث به في وجهته قصد اليمن لاختلاف وقع فيها وفتنة حدثت من أمرائها لكن وقع في نفوس المكيين منه إيجاس خيفة واستشعار خشية فخرج هذا الأمير المذكور متلقيا مسلما وفي الحقيقة مستسلما والله تعالى يعرف السلمين خيرا.

وفي ضحوة يوم الأربعاء الثالث من الشهر المبارك المذكور كنا جلوسا بالحجر المكرم فسمعنا دبادب الأمير مكثر وأصوات نساء مكة تولون عليه فبينا نحن كذلك دخل منصرفا من لقاء الأمير سيف الإسلام المذكور وطائفا بالبيت المكرم طواف الستليم والناس قد أظهروا الاستبشار لقدومه والسرور بسلامته وقد شاع لاخبر ينزول سيف الإسلام الزاهر وضرب أبنيته فيه ومقدمته من العسكر قد وصلت اى الحر وزاحمت الأمير مكثرا في الطواف.

فبينا الناس ينظرون إليهم إذ سمعوا ضوضاء عظيمة وزعقات هائلة فما راعهم إلا الأمير سيف الإسلام داخلا من باب بني شيبة ولمعان السيوف أمامه يكاد يحول بين الأبصار وبينه والقاضي عن يمينه وزعيم الشيبيين عن يساره والمجسد قد ارتج وغص بالنظارة والوافدين والأصوات بالرعاء له ولأخيه صلاح الدين قد علت من الناس حتى صكت الأسماع وأذهلت الأذهان؛


١ الينبوع: أراد ينبع، وهو حصن له عيون ونخيل وزروع بطريق حاج مصر "القاموس".
٢ أثقال: أحماله. الصفراء: قرية فوق ينبع، وهي كثيرة المزارع والنخل، ماؤها عيون، يجري فضلها إلى ينبع.

<<  <   >  >>