للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والزمزمي المؤذن في مرقبته رافعا عقيرته بالدعاء له والثناء عليه وأصواب الناس تعلو على صوته والهول قد عظم مرأى ومستعما. فلحين دنو الأمير من البيت المعظم اغمدت السيوف وتضاءلت النفوس وخلعت ملابس العزة وذلت الأعناق وخضعت الرقاب وطاشت الألباب مهابة وتعظيما لبيت ملك المولك العزيز الجبار ألواح د القهار مؤتى الملك من يشاء ونازع الملك ممن يشاء سبحانه جلت قدرته وعز سلطانه.

ثم تهافتت هذه العصابة الغزية على بيت الله العتيق تهافت الفراش على المصباح وقد نكس أذقانهم لاخضوع وبلت سبالهم الدموع وطاف القاضي وزعيم الشيبيين بسيف الإسلام والأمير مكثر قد غمره ذلك الزحام فأسرع في الفراغ من الطواف وبادر إلى منزله.

وعند ما أكمل سيف الإسلام طوافه صلى خلف المقام ثم دخل قبة زمزم فشرب من مائها ثم خرج على باب الصفا إلى السعي فابتدأه ماشيا على قدميه تواضعا وتذللا لمن يجب التواضع له واليوف مصلوته مامه وقد صطف الناس من أول المسعى إلى آخره سماطين مثل ما صنعوا أيضا في الطواف فسعى على قدميه طريقين من الصفا إلى المروة ومنها إلى الصفا وهرول بين الميلين الأخضرين ثم قيده الإعياء فركب وأكمل السعى راكبا وقد حشر الناس ضحى.

ثم عاد هذا الأمير إلى المسجدالحرام على حالته من الأرهاب والهيبة وهو يتهادى بين بروق خواطف السيوف المصلتة وقد بادر الشيبيون إلى باب البيت المكرم ليفتحوه ولم يكن يوم فتحه وضم الكرسي الذي يصعد عليه فرقى الأمير فيه وتنأول زعيم الشيبين فتح الباب فإذا المفتاح قد سقط من كمه في ذلك الزحام فوقف وقفة دهش مذعور ووقف الأمير على الأدراج فيسر الله للحين في وجود المفتاح ففتح الباب الكريم ودخل الأمير وحده مع الشبي وأغلق الباب وبقى وجوه الاغزاز وأعيانهم مزدحمين على

<<  <   >  >>