ومن عجيب أمرهم تعظيمهم للحاج على قرب مسافة الحج منهم وتيسير ذلك لهم واستطاعتهم لسبيله فهم يتمسحون بهم عند صدورهم ويتهافتون عليهم تبركا بهم ومن أغرب ما حدثناه من ذلك: أن الحاج الدمشقي مع من انضاف إليهم من المقاربة عند صدورهم إلى دمشق في هذا العام الذي هو عام ثمانين خرج الناس لتلقيهم: الجم الغفير نساء ورجالا يصافحونهم ويتمسحون بهم واخرجوا الدراهم لفقرائهم يتلقونهم بها وأخرجوا إليهم الأطعمة. فأخبرني من ابصر كثيرا من النساء يتلقين الحاج ويناولنهم الخبز فإذا عض الحاج فيه اختطفته من أيديهم وتبادرن لاكله تبركا بأكل الحاج له ودفعن له عوضا منه دراهم إلى غير ذلك من الأمور العجيبة ضد ما اعتدنا في المغرب في ذلك وصنع بناء في بغداد عند تلقي الحاج با مثل ذلك أو قريب منه. ولو شئنا استقصاء هذه الأمور لخرجت بنا عن مقصد التقييد وإنما وقع الالماع بلمحة دالة يكتفى بها عن التطويل. وكل من وفقه الله بهذه الجهات من الغرباء للانفراد يلتزم إن أحب ضيعة من الضياع فيكون فيها طيب العيش ناعم البال وينثال الخبز عليه من أهل الضيعة ويلتزم الإمامة أو التعليم أو ما شاء. ومتى سئم المقام خرج إلى ضيعة أخرى أو يصعد إلى جبل لبنان أو إلى جبل الجودي فيلقى بها المريدين المنقطعين إلى الله عز وجل فيقيم معهم ما شاء، وينصرف إلى حيث شاء.