استهل هلاله ليلة الخميس بموافقة الخامس عشر من مارس١ وكان للناس في ارتقابه أمر عجيب وشأن من البهتان غريب ونطق من الزور كاد يعارضه من الجماد فضلا عن غيره رد وتكذيب وذلك أنهم ارتقبوه ليلة الخميس الموفى ثلاثين والافق قد تكاثف نوؤه وتراكم غيمه إلى أن علته مع المغيب بعض حمرة من الشفق فطمع الناس في فرجة من الغيم لعل الأبصار تلتقطه فيها فبينما هم كذلك اذ كبر أحد هم فكبر الجم الغفير لتكبيره ومثلوا قياما ينتظرون مالا يبصرون ويشيرون إلى ما يتخيلون حرصا منهم على أن يكون الوقفة بعرفات يوم الجمعة كان الحج لا يرتبط إلا بهذا اليوم بعينه فاخلتقوا شهادات زورية ومشت منهم طائفة من المغاربة اصلح الله أحوالهم ومن أهل مصر أربابها فشهدوا عند القاضي برؤيته فردهم أقبح رد وجرح شهاداتهم أسوأ تجريح وفضحهم في تزييف أقوالهم أخزى فضيحة وقال يا للعجب لو أن أحد هم يشهد برؤنته الشمس تحت ذلك الغيم الكثيف النسج لما قبلته فكيف برؤية هلال هو ابن تسع وعشرين ليلة!
وكان أيضا مما حكى من قوله: تشوشت المغارب تعرضت شعرة من الحاجب فأبصروا خيالا ظنوه هلالا
وكان لهذا القاضي جمال الدين في أمر هذه الشهادة الزورية مقام من التوقف والتحري حمده له أهل التحصيل وشكره عليه ذوو العقول وحق لهم ذلك فإنها مناسك الحج للمسلمين عظيمة أتوا لها من
كل فج عميق فلو تسومح فيها بطل السعي وقال الرأي والله يرفع الالتباس والبأس بمنه.
فلما كانت ليلة الجمعة المذكورة ظهر الهلال أثناء فرج السحاب وقد اكتسى