للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يستهدى ذكره غرابة وعجبا شاهدنا من ذلك أمرا يعجز الوصف عنه والمقصود منه الليلة التي يستهل فيها الهلال مع صبيحتها ويقع الاستعداد لها من قبل ذلك بأيام فأبصرنا من ذلك ما نصف بعضه على جهة الاختصار وذلك لانا عاينا شوارع مكة وازقتها من عصر يوم الأربعاء وهي العشية التي ارتقب فيها الهلال قد امتلأت هوادح مشدودة على الإبل مكسوة بأنواع كساء الحرير وغيرها من ثياب الكتان الرفيعة بحسب سعة أحوال اربابها ووفرهم١ كل يتأنق ويحتفل بقدر استطاعته فأخذوا في الخروج إلى التنعيم ميقات المعتمرين فسالت تلك الهوادج في أباطح مكة وشعابها والإبل قد زينت تحتها بأنواع التزيين وأشعرت٢ بغير هدى بقلائد رائقة المنظر من الحرير وغيره وربما فاضت الاستار التي على الهوادج حتى تسحب اذيالها على الأرض.

ومن أغرب ما شاهدنا من ذلك هودج الشريفة جمانة بنت فليته عمة الأمير مكثر فان اذيال ستره كانت تسحب على الأرض انسحابا وغيره من هوادج حرم الأمير وحرم قواده إلى غير ذلك من هوادج لم نستطع تقييد عدتها عجزا عن الإحصاء فكانت تلوح على ظهور الإبل كالقباب المضوربة فيخيل للناظر إليها أنها محلة قد ضربت أبنيتها من كل لون رائق.

ولم يبق ليلة الخميس المذكور بمكة إلا من خرج للعمرة من أهلها ومن المجاورين وكنا في جملة من خرج ابتغاء بركة الليلة العظيمة فكدنا لاتتخلص إلى مسجد عائشة من الزحام وانسداد ثنيات الطريق بالهوادج والنيران ق اشعلت بحافتي الطريق كله والشمع يتقد بين أيدي الإبل التي عليها


١ الوفر: السعة.
٢ أشعرت: أعلمت.

<<  <   >  >>