وأجيلت في سبب انصراف هذه الملكة المترفة قداح الظنون وسلت الخواطر على استخراج سرها المكنون فمنهم من يقول أنها انصرفت انفة لبعض ما انتقدته على الأمير ومنهم من قال إن نوازع الشوق للمجاورة عطفت بها إلى المثابة المكرمة ولا يعلم الغيب إلا الله وكيف ما كان الأمر فقد كفى الله العطلة بسببها وأطلق سبيل الحاج ولله الحمد على ذلك.
وأبو هذه المرأة المذكورة الأمير مسعود كما ذكرناه وهو في بسطة من ملكه واتساع من أمرته يركب له على ما حقق عند نا أكثر من مائة ألف فارس وصهره عليها نور الدين صاحب آمد وما سواها ويركب له أيضا نحو اثني عشر ألف فارس. ولخاتون هذه افعال من البر كثيرة في طريق الحاج منها سقى الماء للسبيل عينت لذلك نحو الثلاثين ناضحة ومثلها للزاد واستجلبت لما تختص به من الكسوة والأزودة وغير ذلك نحو المائة بعير وأمرها يطول وصفها وسنها نحو خمسة عشرين عاما.
ولخاتون الثانية أم معز الدين صاحب الموصل زوج بابك أخي نور الدين الذي كان صاحب الشام رحمه الله ولهذه افعال كثيرة من البر.
وخاتون الثالثة ابنة الدقوس صاحب اصبهان من بلادخراسان وهي أيضا كبيرة القدر عظيمة الشأن منافسة في أفعال البر. وشأنهن جمع عيجب جدا في ماهن بسبيله من الخير والاحتفال في الأبهة الملوكية.
ثم أقلعنا ظهر يوم السبت الرابع والعشرين لذي الحجة المذكور ونزلنا بمقربة من عسفان ثم أسرينا إليها نصف الليل وصبحناها بكرة يوم الأحد وهي في بسيط من الأرض بين جبال وبها آبار معينة تنسب لعثمان رضى الله عنه وشجر المقل فيها كثير وبها حصن عتيق البنيان ذو أبراج مشيدة غير معمور قد أثر فيه القدم وأوهته قلة العمارة لوزوم الخراب فاجتزناها بأميال ونزلنا مريحين قائلين.