وأما المدينة فللبداوة بها اعتناء وللحضارة عنها استغناء لا سور يحصنها ولا دور انيقة البناء تحسنها قد ضحيت١ في صحرائها كانها عوذة لبطحائها وهي مع ذلك كاملة مرافق المدن ولها جامعان حديث وقديم فالقديم بموضع هذه العيون وتتفجر امامه عين معينة هي بدون اللتين ذكرناهما وهو من بنيان عمر بن عبد العزيز رضى الله عنه لكنه قد اثر القدم فيه حتى أذن بتداعيه والجامع الآخر داخل البلد وفيه يجمع أهله فكان مقامنا بها ذلك اليوم نزهة لم نختلس في سفرنا كله مثلها.
فلما كان عند المغيب من يوم السبت الخامس لربيع المذكور وهو السادس عشر ليونيه رحلنا منها رغبة في الاساد وبرد الليل وتفاديا من حر هجيرة التأويب لأن منها إلى حران مسيرة يومين لا عمارة فيها فتمادى سيرنا إلى الصباح ثم نزلنا في الصحراء على ماء جب وأرحنا قليلا ثم رفعنا ضحوة النهار من يوم الأحد وسرنا ونزلنا قريب العصر على ماء بئر بموضع فيه برج مشيد وآثار قديمة يعرف ببرج حواء فبتنا به ثم رفعنا منه بعد تهويم ساعة وأسرينا إلى الصباح فوصلنا مدينة حران مع طلوع الشمس من يوم الإثنين السابع لربيع المذكور والثامن عشر ليونيه والحمد لله على تيسيره.