قد شيدت حافاته بالحجارة المركومة فجاء في نهاي الوثاقة والقوة وسور القلعة وثيق الحصانة. ولهذه البلدة نهير مجراه بالجهة الشرقية أيضا منها بين سورها وجبانتها ومصبة من عين هي على بعد من البلد.
والبلد كثير الخلق واسع الرزق ظاهر البركة كثير المساجد جم المرافق على أحفل ما يكون من المدن وصاحبه مظفر الدين بن زين الدين وطاعته إلى صلاح الدين. وهذه البلاد كلها من الموصل إلى نصيبين إلى الفرات المعروفة بديار ربيعة وحدها من نصيبين إلى الفرات مع ما يلي الجنوب من الطريق وديار بكر التي تليها في الجانب الجوفي كآمد وميافارقين ووغيرها مما يطول ذكره ليس في ملوكها من يناهض صلاح الدين فهم إلى طاعته وإن كانوا مستبدين وفضله يبقى عليهم ولو شاء نزع الملك منهم لفعله بمشيئة الله.
فكان نزولنا ظاهر البلد بشرقية على نيهره المذكور واقمنا مريحين يوم الإثنين ويوم الثلاثاء بعده واثر الظهر منه كان اجتماعنا بسلمة المكشوف الرأس الذي فاتنا لقاؤه يوم الإثنين فلقيناه بسمجده فراينا رجلا عليه سيما الصالحين وسمت المحبين مع طلاقة وبشر وكرم لقاء وبر فآنسنا ودعا لنا وودعناه وانصرفنا حامدين لله عز وجل على ما من به علينا من لقاء اوليائه الصالحين وعباده المقربين.
وفي ليلة الأربعاء التاسع لربيع المذكور كان رحيلنا بعدتهويم ساعة فأسرنا إلى الصباح ونزلنا مريحين بموضع يعرف بتل عبدة وهو موضع عمارة وهذا التل مشرف متسع كأنه المائدة المنصوبة وفيه اثر بناء قديم وبهذا الموضع ماء جار. وكان رحيلنا منه عند المغرب وأسرينا الليل كله واجتزنا على قرية تعرف بالبيضاء فيها خان كبير جديد وهو نصف الطريق من حران إلى الفرات ويقابلها على اليمين من الطريق في استقبالك الفرات إلى الشام مدينة سروج التي شهر ذكرها الحريري بنسبة أبي زيد١ إليها وفيها البساتين والمياه المطردة
١ هو الرجل الخيالي الذي اتخذه الحريري بطلا لمقاماته.