ومن أعظم ما شاهدناه لهم موضع يعرف بالقصر وهو صرح عظيم مستقل في الهواء في أعلاه مساكن لم ير أجمل إشرافا منها وهو من البلد بنصف الميل له بستان عظيم يتصل به وكان منتزها لأحد ملوك الأتراك فيقال: إنه كان فيه إحدى الليالي على راحة فاجتاز به قوم من الصوفية فهريق عليهم من النبيذ الذي كانوا يشربونه في ذلك القصر فرفعوا الأمر لنور الدين فلم يزل حتى استوهبه من صاحبه ووقفه برسم الصوفية مؤبدا لهم فطال العجب من السماحة بمثله وبقي اثر الفضل فيه مخدلا لنور الدين رحمه الله.
ومناقب هذا الرجل الصالح كبيرة وكان من الملوك الزهاد. وتوفي في شوال سنة تسع وستين وخمسمائة واستولى بعده على الأمر صلاح الدين وهو على طريقة من الفضل شهيرة وشإنه في الملوك كبير وله الأثر الباقي شرفه من إزالة المكوس بطريق الحجاز ودفعه عوضا عنها لصاحب الحجاز وكانت الأيام قداستمرت قديما بهذه الضريبة اللعينة إلى أن محا الله رسمها على يدي هذا الملك العادل أصلحه الله.
ومن مناقب نور الدين رحمه الله تعالى إنه كان عين للمغاربة الغرباء المتلزمين زاوية المالكية بالمسجد الجامع المبارك أوقافا كثيرة منها طاحوتنان وسبعة بساتين وأرض بيضاء وحمام ودكانان بالعطارين وأخبرني أحد المغاربة الذين كانوا ينظرون فيه وهو أبو الحسن على بن سردال الجياني المعروف بالأسود أن هذا الوقف المغربي يغل إذا كان النظر فيه جيدا خمسمائة دينار في العام وكان له رحمه الله بجانبهم فضل كبير نفعه الله بما أسلف من الخير وهيأ ديارا موقوفة لقراء كتاب الله عز وجل يسكنونها.