للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أمرا عجيبا وذلك أن صلاح الدين عند منازلته حصن الكرك المتقدم الذكر في هذا التاريخ قصد إليه الإفرنج في جميعهم وقد تأبوا من كل أوب وراموا أن يسبقوه إلى موضع الماء ويقطعوا عنه الميرة من بلاد المسلمين فصمداليهم وأقلع عن الحصن بجملته وسبقهم إلى موضع الماء فحادوا عن طريقه وسلكوا طريقا وعرا ذهب فيه أكثر دوابهم وتوجهوا إلى حصن الكرك المذكور وقد سد عليهم بنيات الطرق القاصدة إلى بلادهم ولم يبق لهم إلا طريق عن الحصن يأخذ على الصحراء ويبعد مداه عليهم بتحليق١ يعترض فيه. فاهتبل٢ صلاح الدين في بلادهم الغرة وانتهز الفرصة وقصد قصدها عن الطريق القاصدة فدهم مدينة نابلوس وهجمها بعسكره فاستولى عليها وسبى كل من فيها وأخذ إليها حصونا وضياعا وامتلأت أيدي المسلمين سبيا لا يحصى عدده من الإفرنج ومن فرقة من اليهود تعرف بالسمرة منسوبة إلى السامري وانبسط فيهم القتل الذريع وحصل المسلمون منها على غنائم يضيق الحصر عنها إلى ما اكتفت٣ من الامتعة والذخائر والأسباب والأثاث إلى النعم والكراع٤ إلى غير ذلك. وكان من فعل هذا السلطان الموفق أن اطلق أيدي المسلمين على جميع ما اجتازته وسلم لهم ذلك فحتازت كل يد ما حوت وامتلأت غنى ويسارا وعفى الجيش على رسوم تلك الجهات التي مر عليها من بلاد الفرنج وآبوا غانمين فائزين بالسلامة والغنيمة والإياب وتخلصوا من أسرى المسلمين عددا كثيرا وكانت غزوة لم يسمع يمثلها في البلاد.

وخرجنا نحن من دمشق وأوائل المسلمين قد طرقوا بالغنائم كل بما احتواه وحصلت يده عليه وكان مبلغ السبي الافا لم تتحقق احصاءها ولحق السلطان


١ التحليق: السير في طريق دائري.
٢ اهتبل: اغتنم.
٣ اكتفت: أخذ.
٤ الكراع: الخيل والبغال والحمير.

<<  <   >  >>