للمرافق فكل ما يحتاج شراؤه يوجد من خبز وماء ومن جميع الفواكه والأدم كالرمان والسفرجل والبطيخ السندي والكمثرى والشاه بلوط والجوز والحمص والباقلاء نيا ومطبوخا والبصل والثوم والتين والجبن والحوت وغير ذلك مما يطول ذكره عاينا جميع ذلك يباع وفي خلال هذه الأيام كله لم يظهر لنا بر والله يأتي بالفرج القريب.
ومات فيه رجلان من المسلمين رحمهما الله فقذفا في البحر ومن البلغريين اثنان أيضا ومات منهم بعد ذلك خلق وسقط منهم واحد في البحر حيا فاحتملته الموج أسرع من خطفه البارق وورث هؤلاء الاموات من المسلمين والنصارى البلغريين رئيس المركب لأنها سنة عندهم في كل من يموت في البحر ولا سبيل لوارث الميت إلى ميراثه فطال عجبنا من ذلك.
وفي سحر يو م الثلاثاء السادس من الشهر المؤرخ والثالث عشر من نونتبر ظهرت لنا جبال في البحر وقدا شتدت الريح الغربية وتوالى إعصارها وكانت تتقلب بالقبول والدبور فالجأتنا إلى أحد تلك الجبال فأرسينا عنده وسألنا عن الموضع فأعلمنا إنه من جزائر الرمانية وهذه الجزائر نيف على الثلاثمائة وخمسين جزيرة وهي إلى عمل صاحب القسطنطينية والروم يحذرون أهلها كحذر المسمين لأنهم لا صلح بينهم، فأقمنا بذلك المرسى يوم الثلاثاء المذكور وصدر يوم الأربعاء بعده ونزل من تلك الجزيرة قوم بايعوا أهل المركب بعض ساعة من النهار في الخبز واللحم بعد أمان أخذوه.
ثم أقعلنا يوم الأربعاء المذكور وقد تم لنا على ظهر المركب ثمانية وعشرون يوما، وظهر لنا يوم الخميس بعده بر جزيرة أقريطش وهذه الجزيرة أيضا لعمل صاحب القسطنطينية وطولها نيف على الثلثمائة ميل وقد تقدم ذكرها في سفرنا البحري إلى الإسكندرية فبقينا نجرى بطولها وهي منا على اليمين والبحر في أثناء ذلك كله مائل والريح لا توافق ونحن ننتظر الفرج من الله عز وجل بصبر جميل ونرتقب منه جل جلاله معهود التسير والتسهيل بمنه ولطفه.