ومن العجب في الاتفاقات في الأسفار البحرية أنا استطلعنا على ظهر البحر أهلة ثلاثة أشهر: هلال رجب وهلال شعبان وهلال رمضان هذا وفي يوم مستهله مع الصباح أبصرنا أمامنا جبل النار وهو جبل البركان المشهور بصقلية فاستبشرنا بذلك والله تعالى يعظم أجورنا على ما كابدناه ويختم لنا بأجمل الصنع وأسناه يوزعنا في كل حال شكر ما أولاه بمنه وكرمه.
ثم حركتنا من ذلك الموضع ريح موافقة فلما كان عشي يوم السبت ثاني الشهر المذكور اشتد هبوبها فزجت المركب تزجيه سريعة فلم يكن إلا كلا ولا حتى أدتنا إلى أول المضيق والليل قد جن وهذا المضيق ينحصر فيه البحر إلى مقدار ستة أميال وأضيق موضع فيه ثلاثة أميال يعترض من بر الأرض الكبيرة إلى بر جزيرة صقلية والبحر بهذا المضيق ينصب انصباب السيل العرم ويغلى غليان المرجل لشدة انحصاره وانضغاطه وشقه صعب على المركب فاستمر مركبنا في سيره والريح الجنوبية تسوقه
سوقا عنيفا وبر الأرض الكبيرة عن يمننا وبر صقلية عن يسارنا.