للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأحد الثالث عشر لمحرم المذكور وهو الثامن من يوم إقلاعنا من مصر لأن الريح سكنت عنا فتربصنا في الطريق.

ولو ذهبنا إلى رسم كل موضع يعترضنا في شطى النيل يمينا وشمالا لضاق الكتاب عنه لكن نقصد من ذلك إلى الأكبر الأشهر.

وقابلنا على مقربة من هذا الموضع مياسرا لنا المسجد المبارك المنسوب لإبراهيم خليل الرحمن صلوات الله عليه وعلى نبينا وهو مسجد مذكور مشهور معلوم بالبركة مقصود ويقال إن بفنائه أثر الدابة التي كان يركبها الخيل صلى الله عليه وسلم.

ومنها موضع يعرف بأنصنا مياسرا لنا وهي قرية فسيحة جميلة بها آثار قديمة وكانت في السالف مدينة عتيقة وكان لها سور عتيق هدمه صلاح الدين وجعل على كل مركب منحدر في النيل وظيفة من حمل صخرة إلى القاهرة فنقل باسره إليها.

وفي صبيحة يوم الإثنين الرابع عشر من محرم المذكور وهو التاسع من اقلاعنا من مصر اجتزنا بالجبل المعروف بجبل المقلة وهو بالشط الشرقي من النيل مياسرا للصاعد فيه وهو نصف الطريق إلى قوص من مصر إليه ثلاثة عشر بريدا ومنه إلى قوص مثلها.

وما يجب ذكره على جهة التعجب أن من حيز مصر في شط النيل الشرقي مياسرا للصاعد فيه حائطا متصلا قديم البنيان منه ما قدتهدم ومنه ما بقى اثره يتمادى على الشط المذكور إلى اسوان آخر صعيد مصر وبين أسوان وبين قوص ثمانية برد والاقوال في أمر هذا الحائط تتشعب وتختلف وبالجملة فشأنه عجيب ولا يعلم سره إلا الله عز وجل وهو يعرف بحائط العجوز ولها خسر مذكور اظن هذه العجوز هي الساحرة المذكور خبرها في المسالك والممالك التي كانت لها المملكة بها مدة١.


١ في الخرافات العربية أن العجوز هي دلوكة بنت ليا، وخبرها أنه لما أغرق الله فرعون وقومه بعد خروج موسى، عليه السلام، بقيت مصر وليس فيها من اشراف أهلها أحد، ولم يبق إلا العبيد والأجراء والنساء. فأعظم أشراف النساء أن يولين أحدا من العبيد والأجراء، وأجمع رأيهن أن يولين دلوكة، وكان لها عقل ومعرفة، وقد بلغت يومئد مائة عام أو أكثر، فملكوها. فخافت أن يغزوها ملوك الأرض إذا علموا قلة رجالها، فبنت على النيل بناء أحاطت به على جميع ديار مصر، وجعلت دونه خليجا يجري فيه الماء وعليه القناطر، وهذا البناء هو حائط العجوز.

<<  <   >  >>