للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وتذكرنا قول الله عز وجل: {وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ١} وأبصرنا فيما أبصرناه مجلسا في ساحة فسيحة قد أحد ق بها بستان وانتظمت جوانبها بلاطات والمجلس قد أخذ استطالة تلك الساحة كلها فعجبنا من طوله وأشراف مناظره فأعلمنا إنه موضع غداء الملك مع أصحابه وتلك البلاطات والمراتب حيث تقعد حكامه وأهل الخدمة والعمالة أمامه. فخرج إلينا ذلك المستخلف يتهادى بين خديمين يحفان به ويرفعان أذياله فأبصرنا شيخا طويل السبلة أبيضها ذا أبهة فسألنا عن مقصدنا وعن بلدنا بكلام عربي لين، فأعلمناه فأظهر الإشفاق علينا وأمر بانصرافنا بعد أن أحفى في السلام والدعاء فعجبنا من شأنه.

وكان أول سؤاله لنا عن خبر القسطنطينية العظمى وما عند نا منه فلم يكن عند نا ما نعمله به وقد نقيد خبرها بعد هذا. وكان من أغرب ما شاهدناه من الأمور الفتانة أن أحد من كان قاعدا عند باب القصر من النصارى قال لنا عند انصرافنا عن القصر المذكور: تحفظوا بما عند كم يا حجاج من العمال الممسكين لئلا يقعو عليكم. وظن أن عند نا تجارة تقتضى التمكيس. فاستجاب له أحد النصارى فقال: ما أعجب أمرك يدخلون حرم الملك ويخافون من شيء ما كنت أود لهم إلا آلافا من الرباعيات انهضوا بسلام لا خوف عليكم. فقضينا عجبا مما شاهدناه وسمعناه.

وخرجنا إلى أحد الفنادق فنزلنا فهي وذلك يوم السبت السادس عشر للشهر المبارك والثاني والعشرين لدجنبر وفي خروجنا من القصر المذكور سلكنا بلاطا متصلا مشينا يه مسافة طويلة وهو مسقف حتى انتهينا إلى كنيسة عظيمة البناء فأعلمنا أن ذلك البلاط ممشى الملك إلى هذه الكنيسة.


١ سورة الزخرف، الآية ٢٣.

<<  <   >  >>