[فصل [الدليل على نبوة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام]]
ثم قال المصنف:(والدليل على نبوة الأنبياء المعجزات والدليل على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم القرآن المعجز نظمه ومعناه).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: هذه الطريقة هي من أعظم الطرق عند أهل الكلام والنظر حيث يقررون نبوة الأنبياء بالمعجزات ولا ريب أن المعجزات دليل صحيح لتقرير نبوة الأنبياء لكن كثير من هؤلاء كل من بنى إيمانه عليها يظن أن لا نعرف نبوة الأنبياء إلا بالمعجزات.
ثم لهم في تقرير دلالة المعجزة على الصدق طرق متنوعة وفي بعضها من التنازع والاضطراب ما سننبه عليه، والتزم كثير من هؤلاء إنكار خرق العادات لغير الأنبياء حتى أنكروا كرامات الأولياء والسحر ونحو ذلك.
وللنظار هنا طرق متعددة؛ منهم من لا يجعل المعجزة دليلا بل يجعل الدليل استواء ما يدعو إليه وصحته وسلامته من التناقض كما يقول طائفة من النظار، ومنهم من يوجب تصديقه بدون هذا وهذا، ومنهم من يجعل المعجزة دليلا ويجعل أدلة أخرى غير المعجزة وهذا أصح الطرق، ومن لم يجعل طريقها إلا المعجزة اضطر لهذه الأمور التي فيها تكذيب لحق أو تصديق لباطل، ولهذا كان السلف والأئمة يذمون الكلام المبتدع فإن أصحابه يخطئون إما في مسائلهم وإما في دلائلهم فكثيرا ما يثبتون دين المسلمين في الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله على أصول ضعيفة بل فاسدة يلتزمون لذلك لوازم يخالفون بها السمع الصحيح والعقل الصريح.
وهذا حال الجهمية من المعتزلة وغيرهم حيث أثبتوا حدوث العالم بحدوث الأجسام وأثبتوا ذلك بحدوث صفاتها التي هي الأعراض فاضطرهم ذلك إلى القول بحدوث كل موصوف فنفوا عن الله الصفات وقالوا بأن القرآن مخلوق وأنه لا يرى في الآخرة وقالوا إنّه لا مباين ولا محايث وأمثال ذلك من مقالات النفاة التي تستلزم التعطيل كما قد بسطناه في غير هذا الموضع، وليس الأمر كذلك بل معرفتها بغير المعجزات ممكنة فإن المقصود إنما هو معرفة صدق مدعي النبوة أو كذبه فإنه إذا قال إني رسول الله فهذا الكلام إما أن يكون صدقا وإما أن يكون