للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[فصل [طرق دلالة المعجزة على الصدق]]

فهذه الطرق سلكها أكثر أهل الكلام وغيرهم ولهم في تقرير دلالة المعجزة على الصدق طرق:

أحدها: إن إظهار المعجزة على يدي المتنبئ الكذاب قبيح والله سبحانه منزه عن فعل القبيح، وهذه الطرق سلكها المعتزلة وغيرهم ممن يقول بالتحسين والتقبيح وطعن فيها من ينكر ذلك، ثم إن المعتزلة جعلوا هذه أصل دينهم والتزموا بها لوازم خالفوا بها نصوص الكتاب والسنة بل وصريح العقل في مواضع كثيرة، وحقيقة أمرهم أنهم لم يصدقوا الرسول إلا بتكذيب بعض ما جاء به وكأنهم قالوا لا يمكن تصديقه في البعض إلا بتكذيبه في البعض لكنهم لا يقولون إنهم يكذبونه في شيء بل تارة يطعنون في النقل وتارة يتأولون المنقول، ولكن يعلم بطلان ما ذكروه إما ضرورة وإما نظرا، وذلك أنهم قالوا: إن السمع مبني على صدق الرسول وصدقه على أن الله تعالى منزه عن فعل القبيح، فإن تأييد الكذاب بالمعجزة قبيح والله منزه عنه، قالوا:

والدليل على أنه منزه عنه أن القبيح لا يفعله إلا جاهل بقبحه أو محتاج، والله سبحانه منزه عن الجهل والحاجة، والدليل على ذلك أن المحتاج لا يكون إلا جسما، والله تعالى ليس بجسم.

والدليل على أنه ليس بجسم هو ما دل على حدوث العالم، والدليل على حدوث العالم أنه أجسام وأعراض وكلاهما محدث، والدليل على حدوث الأجسام أنها لا تخلو من الحوادث وما لا يخلو عن الحوادث فهو حادث، والدليل على ذلك أنها لا تنفك عن الحركة والسكون وهما حادثان لامتناع حوادث لا أول لها، ثم التزموا لذلك حدوث كل موصوف بصفة لأن الصفات هي الأعراض والأعراض لا تقوم إلا بجسم وقد قام الدليل على حدوث الجسم فالتزموا لذلك أن لا يكون لله علم ولا قدرة وأن لا يكون متكلما قام به الكلام، بل يكون القرآن وغيره من كلامه تعالى مخلوقا خلقه في غيره، ولا يجوز أن يرى لا في الدنيا ولا في الآخرة، ولا هو مباين للعالم

<<  <   >  >>