للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[فصل [طريقة إثبات السلف والأئمة لكلام الله سبحانه والرد على المشبهة]]

وأما قوله: (والدليل على كونه متكلما أنه آمر وناه لأنه بعث الرسل لتبليغ أوامره ونواهيه ولا معنى لكونه متكلما إلا ذلك) فنقول: السلف والأئمة وغيرهم لهم في إثبات كونه متكلما طريقان فإنهم يثبتون ذلك بالسمع تارة وبالعقل أخرى كما يوجد مثل ذلك في كلام الإمام أحمد وغيره من الأئمة، وفي كلام متكلمة الصفاتية كعبد العزيز المكي وأبي محمد بن كلاب وأبي عبد الله بن كرام وأبي الحسن الأشعري ونحوهم، والطرق التي أظهروها من العقليات قد دل عليها القرآن، وأرشد إليها كما دل القرآن على الطرق العقلية التي يثبت بها سائر قواعد العقائد المسماة بأصول الدين.

لكن الدليل قد تتنوع عباراته وتراكيبه فإنه تارة يركب على وجه الشمول المنقسم إلى قياس تداخل وقياس تلازم وقياس تعاند الذي يسمى بالحملي والشرطي المتصل والشرطي المنفصل، وتارة يركب على وجه قياس التمثيل المفيد لليقين بأن يجعل المشترك بين الأصل والفرع الذي يسمى في قياس التمثيل: المناط والوصف والعلة والمشترك والجامع ونحو ذلك من العبارات هو الحد الأوسط في قياس الشمول فإذا قال ناظم القياس الأول: نبيذ الحبوب المسكر حرام قياسا على خمر العنب لأنه خمر فكان حراما قياسا عليه فهذا كمال في نظم قياس الشمول:

هذا خمر وكل خمر حرام، أو فيه الشدة المطربة وما فيه الشدة المطربة فهو حرام وما يثبت به هذه المقدمة الكبرى يثبت به كون المشترك علة الحكم.

وبهذا تبين أن قياس التمثيل قد يكون أتم في البيان من قياس الشمول، فأما ما يقوله طائفة من النظار من أن قياس الشمول هو الذي يفيد اليقين دون التمثيل فهذا لا يصح إلا بحسب المواد بأن يوجد ذلك في مادة يقينية وهذا في مادة ظنية، وحينئذ فقد يقال: بل ذلك يفيد اليقين دون هذا، وسبب غلطهم أنهم تعودوا كثيرا استعمال التمثيل في الظنيات واستعمال الشمول في اليقينيات عندهم فظنوا هذا من صور القياس، وليس الأمر كذلك بل هو من المادة.

<<  <   >  >>