للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد بسط الكلام على هذا في مواضع غير هذا الموضع كالرد على الغالطين في المنطق وغير ذلك، ثم القياس تارة يعتبر فيه القدر المشترك من غير اعتبار الأولوية، وتارة يعتبر فيه الأولوية فيؤلف على وجه قياس الأولى، وهو إن كان قد يجعل نوعا من قياس الشمول والتمثيل فله خاصة يمتاز بها عن سائر الأنواع وهو أن يكون الحكم المطلوب أولى بالثبوت من الصورة المذكورة في الدليل الدال عليه، وهذا النمط هو الذي كان السلف والأئمة كالإمام أحمد وغيره من السلف يسلكونه من القياس العقلي في أمر الربوبية وهو الذي جاء به القرآن وذلك أن الله سبحانه لا يجوز أن يدخل هو وغيره تحت قياس الشمول الذي تستوي أفراده ولا تحت قياس التمثيل الذي يستوي فيه حكم الأصل والفرع، فإن الله تبارك وتعالى ليس كمثله شيء لا في نفسه المذكورة بأسمائه ولا في صفاته ولا في أفعاله ولكن يسلك في شأنه قياس الأولى كما قال:

وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلى «١».

فإنه من المعلوم أن كل كمال ونعت ممدوح لنفسه لا نقص فيه يكون لبعض الموجودات المخلوقة المحدثة، فالرب الخالق الصمد القيوم القديم الواجب الوجود بنفسه هو أولى به، وكل نقص وعيب يجب أن ينزه عنه بعض المخلوقات المحدثة الممكنة فالرب القدوس السلام القديم الواجب وجوده بنفسه هو أولى بأن ينزه عنه.

وأما إذا سلك مسلك المشبهين لله بخلقه المشركين به الذين يجعلون له عدلا وندّا ومثلا، فيسوون بينه وبين غيره في الأمور كما يفعله أهل الضلال من أهل الفلسفة والكلام من المعتزلة وغيرهم، فإن ذلك يكون قولا باطلا من وجوه، منها:

أن تلك القضية الكلية التي تعمه وغيره قد لا يمكنها إثباتها عامة إلا بمجرد قياس التمثيل، وقياس التمثيل إن أفاد اليقين في غير هذا الموضع ففي هذا الموضع قد لا يفيد الظن للعلم بانتفاء الفارق.

ومنها: أنهم إذا حكموا على القدر المشترك الذي هو الحد الأوسط بحكم يتناوله والمخلوقات كانوا بين أمرين إما أن يجعلوه كالمخلوقات، أو يجعلوا المخلوقات مثله فينتقض عليهم طرد الدليل فيبطل.

ومثال ذلك إذا قال الفيلسوف: إن الواحد لا يصدر عنه إلا واحد، وهو واحد فلا يصدر عنه إلا واحد، فإنه يحتاج أن يعلم أولا قوله الواحد لا يصدر عنه


(١) سورة النحل، الآية: ٦٠.

<<  <   >  >>