للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الموضع ذهبا وأنفقته ما أديت عشر هذه النعمة التي أنا فيها». اه «١».

[٣ - زهده وتواضعه]

مع ما منح الله شيخ الإسلام من سعة العلم، وقوة الشخصية وعلو المكانة، مع هذا كله فقد كان في غاية التواضع، والإزراء على النفس، كان زاهدا قانعا بما في يده، لم يتطلع في يوم من الأيام إلى منصب أو جاه، ولم تكن الدنيا في عينه تساوي شيئا وقد رضي منها بالقليل، واكتفى بما يغنيه عن الناس، ويسد حاجته، وربما اكتفى بشيء من الخبز يأكله في الصبح وفي المساء، حتى قال عنه زين الدين الواسطي وقد أقام مع الشيخ: «وكنت أسأله أن يزيد على أكله فلا يفعل، حتى أني كنت في نفسي أتوجع له من قلة أكله ... » «٢».

وقال الحافظ البزار: «وأما تواضعه فما رأيت ولا سمعت بأحد من أهل عصره مثله في ذلك، كان يتواضع للكبير والصغير، والجليل والحقير، والغني الصالح والفقير، وكان يدني الفقير الصالح ويكرمه ويؤنسه ويباسطه بحديثه المستحلي زيادة على مثله من الأغنياء، حتى إنه ربما خدمه بنفسه، وأعانه بحمل حاجته، جبرا لقلبه، وتقربا بذلك إلى ربه ... » ثم ذكر أنه لا يسأم ممن يسأله ويستفتيه مهما كان «٣».

وقال أيضا في وصف الشيخ: «ولقد اتفق كل من رآه خصوصا من أطال ملازمته، أنه ما رأى مثله في زهده في الدنيا، حتى لقد صار ذلك مشهورا بحيث قد استقر في قلب القريب والبعيد من كل من سمع بصفاته على وجهها، بل لو سئل عامي من أهل بلد بعيد من الشيخ: من كان أزهد أهل هذا العصر، وأكملهم في رفض فضول الدنيا، وأحرصهم على طلب الآخرة؟ لقال: ما سمعت بمثل ابن تيمية ... » «٤».

[رابعا مواقفه الجهادية]

لم يكن شيخ الإسلام عالما يصدر الفتاوى، ويؤلف الكتب، ويجلس للطلاب في حلقات العلم فحسب، ولم يكن يعيش في معزل عن مجتمعه، بعيدا


(١) ناحية من حياة شيخ الإسلام لإبراهيم بن أحمد الغياني ص ٣٠، ٣٢.
(٢) الأعلام العلية ص ٤٨.
(٣) المصدر السابق ص ٤٨ - ٤٩.
(٤) المصدر السابق ص ٤٤ - ٤٥.

<<  <   >  >>