أمر المعاد فإنه قد ذهب طوائف إلى أنه يعلم بالعقل أيضا، وهذا قاله طوائف من المعتزلة ومن غير المعتزلة أيضا من أتباع الأئمة الأربعة حتى من أصحاب أحمد كابن عقيل وغيره والفلاسفة الإلهيون يثبتون معاد النفوس بالعقل وقد وافقهم على إثبات معاد الأرواح بالعقل طوائف من أهل الكلام والتصوف وغيرهم وإن كان هؤلاء يثبتون معاد الأبدان أيضا إما بالسمع وإما بالعقل.
فالمقصود: أن العقل عندهم قد يعلم به إما معاد الأرواح وإما المعاد مطلقا.
وأما إنكار الفلاسفة لمعاد الأبدان ممّا اتفق أهل الملل على إبطاله.
[الفصل الثالث]
أن من انتسب منهم إلى الملل من المسلمين واليهود والنصارى هم مضطربون في ما جاءت به الأنبياء في المعاد فالمحققون منهم يعلمون أن حججهم على قدم العالم ونفي معاد الأبدان ضعيفة، فيقبلون من الرسل ما جاءوا به ومنهم قوم واقفة متحيرون لتعارض الأدلة وتكافئها عندهم ومنهم قوم أصروا على التكذيب ثم زعموا أن ما جاءت به الرسل هو أمثال مضروبة لتفهم المعاد الروحاني، وهؤلاء إذا حقق عليهم الأمر صرحوا بأن الرسل تكذب لمصلحة العالم وإذا حسنوا العبارة قالوا إنهم يخيلون الحقائق في أمثال خيالية، وقالوا إن خاصة النبوة تخييل الحقائق للمخاطبين وأنه لا يمكن خطاب الجمهور إلا بهذا الطريق كما يزعم ذلك الفارابي وأمثاله، مع أن الفارابي له في معاد الأرواح ثلاثة أقوال متناقضة تارة يقول لا تعاد وينكر المعاد بالكلية، وتارة يقول إنها تعاد، وتارة يفرق بين الأنفس العالمة والجاهلة فيقر بمعاد العالمة دون الجاهلة ولهم في تفضيل النبي على الفيلسوف أو بالعكس نزاع فعقلاؤهم كابن سينا وأمثاله يفضل النبي على الفيلسوف وأما غلاتهم فيفضلون الفيلسوف، ولا ريب أن أوليهم ليس لهم في النبوات كلام محصل وكلامهم في الإلهيات قليل، وإنما توسع القوم في الأمور الطبيعية والرياضية ومصنفات معلمهم الأول أرسطو عامتها من ذلك والذي فيها من الإلهيات أمر في غاية القلة مع اضطرابه وتناقضه. فإذا عرف ذلك فما جاء به السمع من أمر المعاد قرره عليهم النظار بطريقين:
أحدهما: ببيان الكلام الصريح في إثبات معاد الأبدان وتفاصيل ذلك.
والثاني: أن العلم بالرسل جاءت بذلك علم ضروري فإن كل من سمع القرآن والأحاديث المتواترة وتفسير الصحابة والتابعين لذلك علم بالاضطرار أن الرسول صلى الله عليه وسلم أخبر بمعاد الأبدان وأن القدح في ذلك كالقدح في أنه جاء بالصلوات الخمس وصوم شهر رمضان وحج البيت العتيق ونحو ذلك، والقرامطة الباطنية- وهم من الفلاسفة- أنكروا هذا وهذا وزعموا أن هذه كلها رموز وإشارات إلى