وهذه الطريق لم يسلكها أبو الحسن الأشعري وأصحابه ومن وافقه من علماء المذهب كالقاضي أبي يعلى وابن عقيل وابن الزغواني والأستاذ أبي المعالي وصاحبه الأنصاري، والشهرستاني وأمثالهم وأبي الوليد الباجي والمازري ونحوهم بناء على أنهم لا يرون تنزيه الرب سبحانه عن فعل من الأفعال لأنهم قد علموا أن له أن يفعل ما يشاء وهم لا يقولون بالتحسين والتقبيح العقليين حتى يقولوا إن الفعل الفلاني قبيح وهو منزه عن فعل القبيح بل عندهم أن الظلم غير مقدور إذ الظلم التصرف في ملك غيره فمهما فعل كان تصرفا في ملكه فلم يكن ظلما، بل يقولون إنه يجوز أن يأمر بكل شيء وينهى عن كل شيء ولا يجعلون للأفعال صفات باعتبارها يكون الحسن والقبح، وانتهى ما أثبتوه من الصفات بالعقل إلى أنه حي عليم قدير مريد، وأثبتوا مع ذلك أنه سميع بصير متكلم. فأما الرحمة والحكمة ونحو ذلك فلم يثبتوها بالعقل بل قد ينفون الحكمة التي هي الغايات والمقاصد في أفعاله ويمنعون أن يفعل شيئا لأجل شيء كما قد بسط الكلام على ذلك في غير هذا الموضع.
فإن المقصود هنا: التنبيه على طرق الناس في النبوة والكلام بحسب العدل والإنصاف لا بسط الكلام في كل ما تنازعوا فيه.
ومسألة التحسين والتقبيح العقليين هي كما تنازع فيها عامة الطوائف، فقال بكل من القولين طوائف من المالكية والشافعية والحنبلية، ومن قال بالإثبات من الحنبلية: أبو الحسن التميمي وأبو الخطاب، ومن قال بالنفي: أبو عبد الله بن حامد وصاحبه القاضي أبو يعلى وأكثر أصحابه.
ومسألة حكم الأعيان قبل ورود الشرع هي في الحقيقة من فروعها، وقد قال فيها بالحظر أو الإباحة أعيان من هذه الطوائف، وأما الحنفية فالغالب عليهم القول بالتحسين والتقبيح العقليين، وذكروا ذلك نصّا عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى، وأهل الحديث فيها أيضا على قولين ومن قال بالإثبات أبو النصر السجزي وصاحبه الشيخ أبو القاسم سعيد بن علي الزنجاني، فأما ما اختصت به القدرية فهذا لا