وأما قوله:(والدليل على علمه إيجاده الأشياء لاستحالة إيجاده للأشياء مع الجهل) فهذا الدليل مشهور عند نظار المسلمين أولهم وآخرهم، والقرآن قد دل عليه كما في قوله تعالى: أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (١٤)«١» والمتفلسفة أيضا سلكوه، وبيانه من وجوه:
أحدها: أن إيجاده للأشياء هو بإرادته كما سيأتي، والإرادة تستلزم تصور المراد قطعا، وتصور المراد هو العلم فكان الإيجاد مستلزما للإرادة، والإرادة مستلزمة للعلم فالإيجاد مستلزم للعلم.
الثاني: إن المخلوقات فيها من الإحكام والاتقان ما يستلزم علم الفاعل لها لأن الفعل المحكم المتقن يمتنع صدوره عن غير عالم، وبهذين الطريقين يتقرر ما ذكره «ولهم طرق» منها أن من المخلوقات ما هو عالم والعلم صفة كمال؛ ويمتنع أن لا يكون الخالق عالما، وهذا له طريقان:
أحدهما: أن يقال نحن نعلم بالضرورة أن الخالق أكمل من المخلوق، وأن الواجب أكمل من الممكن، ونعلم ضرورة أنّا إذا فرضنا شيئين أحدهما عالم والآخر غير عالم كان العالم أكمل منه فإذا لم يكن الخالق سبحانه عالما يلزم أن يكون غير عالم أي جاهلا وهو ممتنع.
الثاني: أن يقال: كل علم في الممكنات التي هي المخلوقات فهو منه ومن الممتنع أن يكون فاعل الكمال ومبدعه عاريا منه بل هو أحق؛ والله سبحانه- وله المثل الأعلى- لا يستوي هو والمخلوق لا في قياس تمثيل ولا قياس شمول بل كل ما أثبت لمخلوق فالخالق به أحق، وكل نقص تنزه عنه مخلوق فتنزيه الخالق عنه أولى.