لَكاذِبُونَ (١١) لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ (١٢)«١».
فالغدر يتضمن كذبا في المستقبل والرسل صلوات الله عليهم منزهون عن ذلك فكان هذا من العلامات.
قال: وسألتك بما يأمركم فذكرت أنه يأمركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا، يأمركم بالصلاة والصدق والعفاف والصلة وينهاكم عما كان يعبد آباؤكم وهذه صفة نبي، وقد كنت أعلم أن نبيّا يبعث ولم أكن أظن أنه منكم ولوددت أن أخلص إليه، ولولا ما أنا فيه من الملك لذهبت إليه، وإن يكن ما يقول حقّا فسيملك موضع قدميّ هاتين، وكان المخاطب بذلك أبو سفيان بن حرب وهو حينئذ كافر من أشد الناس بغضا وعداوة للنبيّ صلى الله عليه وسلم.
قال أبو سفيان: فقلت لأصحابي ونحن خروج: لقد أمر أمر ابن أبي كبشة أنه يخافه ملك بني الأصفر، وما زلت موقنا بأن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم سيظهر حتى أدخل الله عليّ الإسلام وأنا كاره.
قلت: فمثل هذا السؤال والبحث أفاد هذا العاقل اللبيب علما جازما بأن هذا هو النبيّ الذي ينتظره.
وقد اعترض على هذا بعض من لم يدرك غور كلامه وسؤاله، كالمازري ونحوه، وقال: إنه بمثل هذا لا تعلم النبوة، وإنما تعلم بالمعجزة. وليس الأمر على ما قال، بل كل عاقل سليم الفطرة إذا سمع هذا السؤال والبحث علم أنه من أدل الأمور على عقل السائل وخبرته واستنباطه ممّا يتميز به هل هو صادق أو كاذب، وأنه بهذه الأمور تميز له ذلك، وممّا ينبغي أن يعرف أن ما يحصل في القلب لمجموع أمور قد يستقل بعضها به، بل كل ما يحصل للإنسان من شبع وري وسكن وفرح وغم بأمور مجتمعة لا يحصل ببعضها لكن بعضها قد يحصل بعض العلم.
وكذلك العلم بمجرد الإخبار وبما جربه من المجربات وبما في نفس الإنسان من الأمور فإن الخبر الواحد يحصل في القلب نوع ظن ثم الآخر يقويه إلى أن ينتهي إلى العلم حتى يتزايد فيقوى وكذلك ما يجربه الإنسان من الأمور وما يراه من أحوال الشخص.