بالكذبة من الوقيعة والإنكار، بقادح في منقبة البررة الأخيار، وواضع من درجة الصفوة الأطهار، بل في إظهار البراءة من الكذابين، والنكير على الحشوية البطالين، نزاهة الصادقين، ورفعة المحققين، ولو لم نكشف عن مخازي المبطلين ومساويهم ديانة، للزمنا إبانتها وإشاعتها حمية وصيانة، إذ لأسلافنا في التصوف العلم المنشور، والصيت والذكر المشهور، فقد كان جدي رحمه الله تعالى أحد من يسر الله تعالى به ذكر بعض المنقطعين إليه، وكيف يستجيز نقيصة أولياء الله تعالى ومؤذيهم مؤذن بمحاربة ربه.
ثم أسند حديث أبي هريرة رضي الله عنه الذي رواه البخاري في صحيحه عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال:«إن الله تعالى قال: من آذى لي وليّا» وفي الرواية الأخرى:
«من عادى لي وليّا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إليّ عبدي بشيء أفضل من أداء ما افترضته عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، فبي يسمع، وبي يبصر، وبي يبطش، وبي يمشي، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن قبض نفس عبدي المؤمن، يكره الموت وأكره مساءته، ولا بد له منه»«١».
قلت: قد ذم أهل العلم والإيمان من أئمة العلم والدين من جميع الطوائف من خرج عما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم في الأقوال والأعمال باطنا أو ظاهرا ومدحهم هو لمن وافق ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ومن كان موافقا من وجه ومخالفا من وجه كالعاصي الذي يعلم أنه عاص فهو ممدوح من جهة موافقته، مذموم من جهة مخالفته.
وهذا مذهب سلف الأئمة وأئمتها من الصحابة ومن سلك سبيلهم في مسائل الأسماء والأحكام، والخلاف فيها أول خلاف حدث في مسائل الأصول حيث كفرت الخوارج بالذنب وجعلوا صاحب الكبيرة كافرا مخلدا في النار، ووافقتهم المعتزلة على زوال جميع إيمانه وإسلامه وعلى خلوده في النار، لكن نازعوهم في الاسم فلم يسموه كافرا بل قالوا: هو فاسق لا مؤمن ولا كافر ننزله منزلة بين المنزلتين، فهم وإن كانوا في الاسم إلى السنة أقرب فهم في الحكم في الآخرة مع الخوارج.
وأصل هؤلاء أنهم ظنوا أن الشخص الواحد لا يكون مستحقّا للثواب