وقعت ممن وقعت منه؛ بل المقصود التنبيه على جمل ذلك لأن هذا محتاج إليه في هذه الأوقات، فكتب الزهد والتصوف فيها من جنس ما في كتب الفقه والرأي وفي كلاهما منقولات صحيحة وضعيفة بل وموضوعة، ومقالات صحيحة وضعيفة بل وباطلة، وأما كتب الكلام ففيها من الباطل أعظم من ذلك بكثير بل فيها أنواع من الزندقة والنفاق.
وأما كتب الفلسفة فالباطل غالب عليها بل الكفر الصريح كثير فيها وكتاب الإحياء له حكم نظائره ففيه أحاديث كثيرة صحيحة وأحاديث كثيرة ضعيفة أو موضوعة، فإن مادة المصنف في الحديث والآثار وكلام السلف وتفسيرهم للقرآن مادة ضعيفة، وأجود ماله من المواد المادة الصوفية، ولو سلك فيها مسلك الصوفية أهل العلم بالآثار النبوية واحترز عن تصوف المتفلسفة الصابئين لحصل مطلوبه ونال مقصوده، لكنه في آخر عمره سلك هذا السبيل، وأحسن ما في كتابه أو أحسن ما فيه ما يأخذه من كتاب أبي طالب في مقامات العارفين ونحو ذلك فإن أبا طالب أخبر بذوق الصوفية حالا وأعلم بكلامهم وآثارهم سماعا وأكثر مباشرة لشيوخهم الأكابر.
والمقصود هنا: أن طرق العلم بصدق النبيّ عليه أفضل الصلاة والسلام بل وتفاوت الطرق في معرفة قدر النبوة والنبيّ متعددة تعددا كثيرا إذ النبيّ يخبر عن الله سبحانه أنه قال ذلك إما إخبارا من الله تعالى وإما أمرا أو نهيا ولكل من حال المخبر عنه والمخبر به بل ومن حال المخبرين- مصدقهم ومكذبهم- دلالة على المطلوب سوى ما ينفصل عن ذلك من الخوارق وأخبار الأولين والهواتف والكهان وغير ذلك، فالمخبر مطلقا يعلم صدقه وكذبه أمور كثيرة لا يحصل العلم بآحادها كما يحصل العلم بمخبر الأخبار المتواترة بل بمخبر الخبر الواحد الذي احتف بخبره قرائن أفادت العلم.
ومن هذا الباب علم الإنسان بعدالة الشاهد والمحدث والمفتي حتى يزكيهم ويفتي بخبرهم ويحكم بشهادتهم وحتى لا يحتاج الحاكم في عدالة كل شاهد إلى تزكيته فإنه لو احتاج كل مزكّ إلى مزكي لزم التسلسل، بل يعلم صدق الشخص تارة باختباره ومباشرته، وتارة باستفاضة صدقه بين الناس، ولهذا قال العلماء: إن التعديل لا يحتاج إلى بيان السبب فإن كون الشخص عدلا صادقا لا يكذب لا يتبين بذكر شيء معين بخلاف الجرح فإنه لا يقبل إلا مفسرا عند جمهور العلماء لوجهين: