للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تغير دولة ونحو ذلك أو يشهدا خطبة خطيب أو كتابا لبعض الولاة أو يطالعا كتابا من الكتب أو يحفظاه ونعلم أنهما لم يتواطآ ثم يجيء أحدهما فيخبر بذلك كله مفصلا شيئا فشيئا من غير تواطؤ فيعلم أنهما صادقان ويخبر الآخر بمثل ما أخبر به الأول مفصلا شيئا فشيئا من غير تواطؤ فيعلم أنهما صادقان حتى لو كان رجلان يحفظان بعض قصائد العرب كقصيدة امرئ القيس أو غيرها وهناك من لا يحفظها، وهناك شخصان لا يعرف أحدهما الآخر فقال الذي لا يحفظها لأحدهما:

أنشدنيها فأنشدها، ثم طلب الآخر وقال له: أنشدنيها فأنشدها كما أنشدها الأول علم المستمع أنها هي هي، بل وكذلك كتب الفقه والحديث واللغة والطب وغير ذلك، ولو بعث بعض الملوك رسلا إلى أمرائه ونوابه في أمر من الأمور ثم أخبر أحد الرسولين بأنه أمر بأمر ذكره وفصّله وأخبر الآخر بمثل ذلك للقوم الذين أرسل إليهم من غير علم منه بإرسال الآخر لعلم قطعا أن ذلك الأمر هو الذي أمر به المرسل وأنهما صادقان فإنه يعلم علما ضروريّا أنه يمتنع في الكذب والخطأ أن يتفق في مثل هذا.

ومعلوم أن موسى عليه السلام وغيره من الأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين كانوا قبل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم قد أخبروا عن الله سبحانه وتعالى من توحيده وأسماءه وصفاته وملائكته وأمره ونهيه ووعده ووعيده وإرساله بما أخبروا به، ومعلوم أيضا لمن علم حال سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أنه كان رجلا أمّيّا نشأ بين قوم أميّين ولم يكن يقرأ كتابا ولا يكتب بخطه كما قال تعالى: وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ (٤٨) «١» وأن قومه الذين نشأ بينهم لم يكونوا يعلمون علوم الأنبياء بل كانوا من أشد الناس شركا وجهلا وتبديلا وتكذيبا بالمعاد، وكانوا من أبعد الأمم عن توحيد الله سبحانه، ومن أعظم الأمم إشراكا بالله عز وجل، ثم إذا تدبرت القرآن والتوراة وجدتهما يتفقان في عامة المقاصد الكلية من التوحيد والنبوات والأعمال الكلية وسائر الأسماء والصفات ومن كان له علم بهذا علم علما ضروريّا ما قاله النجاشي: إن هذا والذي جاء به موسى ليخرج من مشكاة واحدة، وما قاله ورقة بن نوفل: إن هذا الناموس الذي كان يأتي موسى.

قال تعالى: قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ «٢» وقال تعالى: فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ مِنْ


(١) سورة العنكبوت، الآية: ٤٨.
(٢) سورة الأحقاف، الآية: ١٠.

<<  <   >  >>